كما في بداية كل شتاء اللبنانيون مسؤولون ومواطنون يفاجآون بالأمطاروالسيول.. الشوارع تفيض بمائها وناسها.. الدروب تقفل.. وتضيق السبل بالعابرين في وطن عابر صوب الجحيم.. هذا بلد يستعصي على التغيير.. يمكن لشهور قليلة أن تفصل بين الحريق والغريق.. ثم تقيد القضايا كلها ضد مجهول، صار لفرط تجهيله، معلوماً.
وهذا بلد يستمتع قادته بالسخرية من مواطنيهم.. مسرحية التدقيق الجنائي التي عرضت بالأمس على مسرح مجلس النواب خير دليل على ذلك.. فجأة اختفى حماة السرية المصرفية.. وأقرت التوصية التي لن يلتزم بها أحد.. بدا السيناريو على قدر من الإتقان في الصياغة: إذا أردتم التدقيق فليكن شاملاً.. وظهر كما لو أن الجميع خرج منتصراً من لعبة لحس المبرد.. لكنه دم الناس البسطاء وحده الذي سيسيل. لا يحتاج المرء إلى كثير من التفكير ليكتشف أنه لن يكون هناك تدقيق ولا من يدققون.. وأن حكاية الهدر المالي ستؤول إلى دروب مقفلة.. كما هي شوارع لبنان تحت سيطرة أمطار تشرين. من هنا فليس أمراً عادياً أن يغرد المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يا كوبيتش ملمحاً إلى قوة القول وضآلة الفعل: "القيمة الحقيقية للشيء تظهر بعد تحققه".
ما الذي تعنيه توصية مجلس النواب بتحقيق جنائي شامل يطال كل المؤسسات؟ هل ستبادر السلطة الإجرائية، ممثلة برئاسة الجمهورية وخلفها حكومة تصريف الأعمال، إلى تكليف شركة عالمية تأخذ مكان "الفاريز أند مارسال" ومكانتها فتفتح الملفات المفخخة داخل الأدراج المغلقة بإحكام؟
في موازاة التهديد بالإدعاء على وزير الداخلية محمد فهمي جراء اعرضه للقضاء رد الرجل وفق المبدأ الشمشوني: هليّ وعلى أخصامي: لتكن الدعوى..وليكن الإنتقاد أيضاً.
إقليمياً كان لإغتيال عالم الذرة الإيراني فخري زادة أن عزز المخاوف من احتمال ان تشهد المنطقة سخونة متصاعدة قد تدرك حدود الحرب.. لكن كلام الحرس الثوري بأن الرد حتمي لكنه مؤجل ساهم في تبريد الأجواء، وإن كان لم يمنع اسرائيل من إعلان الإستنفار في سفاراتها على امتداد العالم.