-خاص الهديل –
انتهى امس ” يوم الاستفزاز الاسرائيلي الأكبر” من نوعه، منذ احتلال إسرائيل لمدينة القدس عام ١٩٦٧.. وصار واضحا اليوم ان حكومة بينيت كانت حضرت بعناية طيلة الأشهر الماضية ، لهذا اليوم، وقررت ان تنفذ خلال ساعاته ال ٢٤ ما يمكن تسميته ” بالهجوم المعنوي الكبير ” ، او ” بالحرب المعنوية الشاملة ” ضد الفلسطينيين ولبنان وإيران وضد كل العرب والمسلمين.
والمقصود ب ” الحرب المعنوية الشاملة ” هي شن أكبر عمليات استفزاز عسكرية وأمنية و مدنية في وقت واحد وجمع كل هذه الاستفزازات في داخل إطار صورة واحدة.
.. وهذا بالتحديد هو ما فعله بينت أمس حينما تقصد ان يتبنى في نفس اليوم عملية اغتيال الضابط الايراني، وأن يرسل الطائرات الحربية لتحلق على مستوى منخفض في كل من لبنان وقطاع غزة ، وان يضع كل هذه الاستفزازات في إطار صورة الاستفزاز الأكبر والمركزي المتمثل بتسيير مسيرة الاعلام الإسرائيلية في مناطق حساسة في القدس، كان حتى نتنياهو يتحاشى السماح للمستوطنين بالمرور فيها خشية من ردود فعل الفلسطينيين . ثم أنهى بينيت يوم استفزازه الكبير هذا بالقول إن احدا لا يستطيع أن يمنع إسرائيلي من رفع علم إسرائيل في القدس العاصمة الموحدة لإسرائيل.
والواقع ان ” الحرب المعنوية الشاملة” المحمية بمناورة ” غربات النار ” التي تعتبر اكبر مناورة اجرتها اسراىيل منذ العام ١٩٦٧ حتى اليوم ، أراد بينيت من خلالها تحقيق عدة أهداف استراتيجية، إحداها وأهمها ” استعادة المبادرة الاستراتيجية الإسرائيلية العسكرية والأمنية على أكثر من جبهة في يوم واحد” ، وفي معركة استفزاز واحدة ، وفي داخل إطار صورة واحدة اسمها يوم مسيرة الاعلام الإسرائيلية في القدس.
ويمكن إدراك مفهوم ” الحرب المعنوية الشاملة ” التي شنتها حكومة بنيت امس من خلال تجزئة الاستراتيجية التي اتبعتها خلال يوم مسيرات الاعلام الإسرائيلية في القدس :
اولا – أرادت حكومة بينت من خلال أصرارها على عدم تغيير مسار سير مسيرة الاعلام الإسرائيلية، أن تثأر من “حرب سيف القدس” الذي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية في العام الماضي ، وذلك عبر القول أن الجهة التي تم ” كي وعيها ” في حرب غزة العام الماضي هي الفلسطينيون وليس الاسرائيليون، ، وأن من فرض قواعد اللعبة بنتيجة حرب غزة العام الماضي، هي معادلة ” حارس الأسوار” وليس “سيف القدس” ، بدليل أن مسيرة الاعلام هذا العام حصلت رغم تهديد الفلسطينيين بتكرار حرب العام الماضي ، وبدليل ان فلسطينيي غزة لم يتجرأوا على إطلاق صواريخهم باتجاه القدس كما فعلوا العام الماضي.
ثانيا- أراد بنيت الذي ينتخبه بشكل اساس مستوطنو الضفة الغربية اليمينيون، الحاق هزيمة معنوية بمنافسه داخل الساحة اليمينية في إسرائيل بنيامين نتنياهو، عبر إظهار انه ( اي بينيت ) أكثر تطرفا ويمينية من زعيم المعارضة اليمينية نتنياهو ، بدليل أن الاخير رضخ في العام الماضي لطلب حماس بتغيير مسار مسيرة الاعلام الإسرائيلية داخل القدس حتى لا تتحدى مشاعر الفلسطينيين ، بينما بنيت رفض تغيير مسارها.
ثالثا – لم يعد هناك شك بان بينيت حضّر منذ أشهر لان يستخدم مسيرة الاعلام كي يقوي من جهة موقعه السياسي داخل إسرائيل ، وكي يتم خلالها- من جهة ثانية – استعادة الجيش الإسرائيلي لصورة انه يمسك بزمام المبادرة الاستراتيجية العسكرية والامنية في كل المنطقة ، وخاصة بمواجهة حزب الله في لبنان وبمواجهة حماس في غزة وبمواجهة ايران حتى في طهران .
لقد تم ترتيب ان تجري مسيرة الاعلام الإسرائيلية في القدس بنفس الوقت الذي يجري فيه الجيش الإسرائيلي أكبر مناورة عسكرية شاملة ( مناورة عربات النار) التي تحاكي تمارينها حصول حرب شاملة على كل الجبهات من غزة إلى الضفة إلى لبنان وسورية وحتى إلى ايران .
لقد أرادت حكومة بينيت من خلال دمج مسيرة الاعلام، ولو بشكل غير معلن ، بمناورة “عربات النار ” ان تؤشر إلى التالي :
– إسرائيل مستعدة لان ترد على اي هجوم يشن عليها نتيجة مسيرة الاعلام..
– مسيرة الاعلام هي جزء سياسي يكمله الجزء العسكري المثمثل “بمناورة عربات النار “، فالجزء الأول يريد القول أن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل ؛ والجزء الثاني يريد القول أن تل أبيب قادرة على حماية توحيد القدس تحت سيطرتها عسكريا ..
والواقع أن كل هذه المعاني التي حاول بينيت ارسالها يوم أمس ال حزب الله في لبنان والى حماس في قطاع غزة والى طهران ، شكلت ” حربا معنوية شاملة ” و فعلية وتوازي بوقائعها الحرب العسكرية الحقيقية .
.. وهذه الوقائع التي حصلت تقول بالقراءة السياسية أمرا واحدا وهو انه ليس صحيحا ان من يحكم إسرائيل اليوم هو يمين الوسط، بل هو ” يمين اليمين ” ، وان بينت يقف على يمين نتنياهو وليس العكس، وتقول أيضا انه لا أفق لأي تسوية للصراع الفلسطيني على اساس حل الدولتين ، لا مع بينيت ولا مع نتنياهو ، وأن سياسة إسرائيل بالتهديد بالحرب من أجل حماية احتلالها لكل القدس ، هو خيار وحيد بالنسبة إليها، سواء كان بايدن هو من يحكم البيت الابيض او ترامب وسواء كان بينيت من يحكم إسرائيل او نتنياهو .