كتبت شيخة غانم الكبيسي
منذُ الخليقة للمرأة مكانة رفيعة عند خالقها، فلقد خُلقنا نحن البشر من جوهر واحد ” نفس إلهية واحدة”، متساوون بمراحل التَّكوين، مختلفون في الصفات والأدوار، مما يقتضي أن تكون العلاقة بين الرّجل والمرأة علاقة تكامل وظيفيّ لا صراعٍ صفريّ، فليس هناك على الإطلاق أفضليّة لأحدهما على الآخر، فمعيار الأفضليّة مفقود منطقياً في هذه المعادلة، إنّما هو تفاضلٌ في الصفات يقود إلى التكامل في الأعمال وأداء المهام.
إلا ان المجتمعات وعلى مد العصور قد ذهبت إلى تكريس الظّلم، وتوسيع مساحة التّمييز بين الّرجل والمرأة بصور متعسّفة لا علاقة لها بالأديان السماوية، مما أثار ردّة فعل للمطالبة بفرض المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وكلاهما تعسّفٌ متطرّف.
فنشأت الحركة النسوية في الغرب قبل أكثر من قرن للاعتراف بأن للمرأة حقوقاً وفرصاً مساوية للرجل وقد كانت في الأساس تهدف إلى منح المرأة الحقوق الأساسية من التعليم والعمل التي حُرمت منها في المجتمع الغربي قبل الثورة الصناعية ثم تطورت فكرتها إلى المطالبة بالمساواة بالرجل في جميع الحقوق السياسية والاقتصادية والجنسية والفكرية. وبسبب ما كانت تعيشه المجتمعات العربية من تخلف وتمييز إبان الاستعمار تسللت هذه الحركة وحققت مكاسبها في منح المرأة حقوقها وتغيير النظرة النمطية السائدة بتلك الفترة بأن دور المرأة الأساسي محصور بالمنزل ورعاية الأطفال فقط. بل توسع الادراك المجتمعي مع تقدم المجتمعات وتطورها لنجد أن المرأة لم تلتزم فقط بواجبها تجاه أسرتها وتربية الأبناء بل أصبح لها دور اجتماعي كبير في شتى المجالات، وبناءً على مؤهلاتها العلمية والثقافية والاجتماعية تنوعت أدوارها في المُجتمع على مُختلف الأصعدة.
هذا وبوصولنا للقرن الأول من الألفية الثالثة لاحظنا ان التغيير الايجابي الذي تسعى له المجتمعات المتطورة مرهون بشكل كبير بواقع المرأة ومدى تمكنها من القيام بأدوارها في المجتمع، لكونها لعبت دوراً محورياً في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة والذي أثبتت من خلاله قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، كما ان حضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل دون ندية أو تحد ومساندتها له دليل على كونها عنصراً أساسياً في إحداث تغيير ملحوظ بالمجتمعات على مر العصور.
إلى ان باتت حقوق المرأة موضوعاً أصيلاً متأصلاً في المجتمعات الواعية المتواكبة مع القرن الحادي والعشرين، لذا فإنه علينا ان نعترف بأنه لا يوجد في الإسلام نسوية، فشريعتنا منذ الأزل تنص على احترام حقوق المرأة الشرعية ورفع الظلم عنها وقد وردت نصوص كثيرة في هذا الحق الموروث، وذلك لا يتنافى مع مطالبة المرأة بحقها ورفع الظلم عنها -إذا حدث ـ فحمايتها من العنف حق مشروع لها في الدين ولا يلومها أحد على ذلك إذا كانت معها بينة.
ولكن ليس علينا ان نفسر أي تصرف فردي أو جماعي مخالف لرغبة المرأة بأنه إهانة وعنف واستعباد للمرأة مما يقودنا للتحسس من الجنس الذكوري ومهاجمته بحثاً عن شماعة مجتمعية لنرمي عليها ضعف إرادتنا وقلة حيلتنا، فالظلم قد يقع على الجميع ويصدر من الجميع دون تمييز.
عزيزتي الأنثى، لا تتقمصي دور الضحية بعد الآن فلم يعد يليق بك، فلا تغضبي وتقلقي وتنهاري. لأن كل ما ترغبين به وتطمحين له وكذلك كل ما تخشينه وتعجزين عن فعله هو بداخلك أنتِ فقط، انظري حولك وستجدين بأن هناك العديد من السيدات اللاتي حققن ما لم تستطيعي انتِ تحقيقه.
فلقد تبوأت المرأة أعلى المراكز وتقلدت العديد من المناصب الإدارية والعلمية وقامت بجهد فاعل من خلال إسهامها في شتى المجالات المجتمعية وهو ما يُعبر عن مدى فرص التمكين التي تحرص الدول على توفيرها لأحد مُكونات المُجتمع، وهي المرأة القوية التي لا تعنيها النسوية بقدر ما تهتم بكونها أنثى جديرة بموقعها المجتمعي.
ربما أُجبرنا سابقاً لأن نكون تابعين لأفكار غربية، ولكن بعد ان تفوقنا على الغرب مجتمعياً، ونضجنا فكرياً واكتشفنا بأنه ليس كل ما يُنادى به حقيقة تناسبنا، جدير بأن يجعلنا نتجرد من هذه الأفكار الدخيلة، لننتقي منها الجزء الذي يخدمنا بعد تصفيته من الشوائب، لنعيش حاضرنا الانثوي الجميل الزاهر بأفكارنا الخاصة والتي تتناسب وتتناغم مع قيمنا ومعتقداتنا الذاتية.