خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
فيما كان الإعلام في الولايات المتحدة الأميركية وفي المنطقة ينتظر الرد الإيراني على اغتيال إسرائيل لاسماعيل هنية في طهران؛ جاء الرد من خلال استكمال جريمة اغتيال هنية بارتكاب إسرائيل مجزرة جديدة ضد نازحين غزاويين في مدرسة التابعين..
.. وفي وقت كانت الرسائل الأميركية على مدى الأيام الماضية توحي بأن نجاح توقيع “مقترح ١٥ آب الثلاثي الأميركي – المصري- القطري”، يتوقف على تخلي إيران عن”الرد”، أو أقله تأجيل الرد إلى ما بعد ١٥ آب؛ يلاحظ أن إدارة بايدن ليس لديها القدرة على اعتبار أن مجزرة نتنياهو في مدرسة التابعين تؤثر – ولو على نحو صغير – على فرص نجاح “مقترح ١٥ آب”.
السؤال الذي يتوجب على بايدن أن يطرحه على نفسه، وذلك قبل أي شخص آخر في العالم، هو لماذا يرتكب نتنياهو مجزرة قبل أيام من اجتماع مناقشة مقترح ١٥ آب الذي قال بايدن عنه أنه الفرصة الأخيرة التي يريد لها النجاح؟؟
والسؤال الذي يجب أن يقلق بايدن هو هل المستهدف من المجزرة؛ هم فقط الأطفال والشيوخ والمصلين في غزة؛ أم المستهدف هو ما تبقى من صورة بايدن كوسيط لإنقاذ الصفقة من الموت؟..
واقع الحال يقول ان مجزرة مدرسة التابعين فيها الكثير من الرمزيات التي تجعل هناك تشابه بين اغتيال نتنياهو جسدياً لهنية وبين إقدام نتنياهو على اغتيال بايدن معنوياً في اللحظة الأخيرة من ولايته.
صحيح أن بايدن صهيوني كما قال بعظمة لسانه؛ وصحيح أنه على مدار عشرة أشهر غطى سياسياً مجازر إسرائيل العسكرية في غزة؛ وصحيح أنه مارس مناورة سياسية دبلوماسبة لتغطية مناورة نتنياهو البرية العسكرية والإجرامية؛ ولكن الصحيح أيضاً أن نتنياهو قرر أن لا يعطي بايدن امتياز ان يضع على صدره وسام إبرام صفقة إطلاق الأسرى الذين بينهم أميركيون.
الشبه بين إقدام نتنياهو على اغتيال اسماعيل هنية جسدياً وبين اغتيال بايدن معنوياً واضح؛ فقتل هنية مثل من منظار أهداف نتنياهو تفجير قناة الاتصال السياسي لحماس بين غرفة السنوار في غزة وبين غرفة المفاوض الحمساوي (هنية) على الصفقة في القاهرة والدوحة.. بينما ارتكاب مجزرة مدرسة التابعين مثلت من وجهة نظر أهداف نتنياهو تفجير آخر معنى متبقى في الشرق الأوسط لقدرة بايدن على إنتاج أي زخم سياسي قادر على وقف حرب غزة أو حتى على شق طريق يوصل ولو بعد مئة عام لوقف حرب غزة..
كان واضحاً أن بايدن لم يعلن بشكل مستقل عن اجتماع ١٥ آب؛ حتى لا يحصد نفس الفشل المعنوي المهين الذي حصده حينما تبنى بشكل شخصي مبادرة الصفقة قبل نحو شهرين، والتي كان صاغ بنودها أصلاً نتنياهو، ومع ذلك انقلب عليها الأخير بعد موافقة حماس عليها. هذه المرة أراد بايدن أن يقول من باب الحذر أنه يقود صفقة بالتشارك مع مصر وقطر، ولكن نتنياهو عبر مجزرة مدرسة التابعين أراد أن يقول للدوحة وللقاهرة ابحثوا عن شريك آخر غير بايدن؛ وأن وقت التسوية لم يحن بعد، وأن الكلام اليوم يجب أن يكون للأساطيل والمدمرات الغربية ضد حزب الله وإيران..
النقطة الأساس التي تفسر كيف اغتال نتنياهو معنوياً بايدن تقع في أنه استهدف عبر مجزرة الأمس قتل زخم الاندفاعة نحو اجتماع يوم ١٥ آب التي يمثل رمزيتها بايدن كونه الداعي للاجتماع والراعي له..
مجزرة مدرسة التابعين تعني أنه لا يوجد مرجعية دولية لنتنياهو؛ وأن بايدن بات له وظيفة واحدة وهي أنه “حارس مقابر مجازر نتنياهو ضد الفلسطينيين” وليس أكثر..
.. أساساً لم يعر نتنياهو أهمية لبايدن حينما كان الأخير رئيساً بعز ولايته، ومرشحاً لرئاسة ثانية بكل قوته؛ فلماذا الآن يمكن توقع ان نتنياهو سيعير أهمية لبايدن وهو رئيس بنهاية ولايته، وهو مطرود من نادي المرشحين للرئاسة!؟؟.
إن يوم ١٥ آب لن يكون موعداً لانتظار بدء الفرج؛ بل سيكون حتماً موعداً لانتظار أن يرتكب نتنياهو قبل حلوله المزيد من المفاجآت الدموية: ربما يقدم على اغتيال جديد هدفه ليس فقط تفريغ يوم ١٥ آب من أية آمال بإبرام صفقة؛ بل بجعل احتمالات توسع الحرب تصبح واقعاً لا مفر منه..
إن الفكرة القاتلة التي تغري نتنياهو في هذه اللحظة على القيام بخطوة مجنونة تؤدي إلى اندلاع الحرب الكبرى، هي فكرة ساهم بايدن ذاته وماكرون وستأمر وإيطاليا في انتاجها؛ وذلك بسبب مسارعة هؤلاء لإرسال مدمراتهم العسكرية إلى البحر المتوسط تحت ذريعة الدفاع عن أمن إسرائيل بوجه رد إيران وحزب الله على اغتيال هنية وشكر.. ولكن في العمق فإن إرسال زعماء الغرب لترساناتهم العسكرية إلى المتوسط مثل مكافآة لنتنياهو لإقدامه على اغتيال هنية في قلب طهران(!!)؛ وذلك رغم أن زعماء الغرب يرون أن اغتيال هنية يمثل اغتيالاً لقناة الإتصال مع حماس لإبرام الصفقة التي يؤيدونها حسب بياناتهم المعلنة..
يحق لنتنياهو أن يشعر بأنه بعد اغتيال هنية أصبح في موقع المكافأ من قبل الغرب؛ وأن ترسانة الناتو أتت لتحمي قراره باغتيال قناة حماس على الصفقة.. وكل هذه المعاني لاغتيال هنية سيجعل نتنياهو يشعر اليوم أنه يستطيع الاستمرار في مهمة ضرب كل استعداد لدى حماس للدخول في الصفقة سواء من خلال إقدامه على استفزاز السنوار بارتكاب مجازر أو حتى عبر إقدامه على اغتيال خليل حية المكلف حالياً بالحلول مكان هنية لمتابعة التفاوض على الصفقة؛ أو عبر ارتكابه اغتيالات لها نتائج أبعد من التأثير فقط على الصفقة..
.. غير أن النقطة التي ستفيض بالكأس، هي توجه نتنياهو لاعتبار أن ترسانة الدول الغربية العسكرية التي وصلت للمتوسط لا ينبغي لها أن تعود إلى قواعدها قبل أن تنجز بقية مهمة مكافآة نتنياهو وإسرائيل، وهي التورط في حرب مع حزب الله وطهران..
حتى داخل إسرائيل باتوا يحذرون بايدن من أن نتنياهو وصل إلى لحظة ذروة رغبته بالإفادة من وجود الحشود العسكرية الغربية في المتوسط؛ فهو لم يعد يرى بهذه الترسانة انها قوة لحمايته ضد الغير، بل لاستخدامها في الاعتداء على الغير؛ ولرسم صورة النصر الإقليمي لإسرائيل، وليس فقط صورة النصر الداخلي على حماس..
.. هذا اليوم كتب أحد كبار المسؤولين الأمنيين السابقين في إسرائيل مقالة حث فيها بايدن على أن يكون ايزنهاور الشديد مع بن غوريون في العام ٥٦ وأن يكون ريغان القوي مع مناحيم بيغن عام ١٩٨٢؛ بمعنى أن يكون بايدن رئيس لاميركا ولمصالح أميركا وإسرائيل؛ وليس مجرد “حارس لمقابر مجازر نتنياهو”، خاصة وأن لعبة نتنياهو لم تعد تقتصر على رمي إرادة الإدارة الأميركية في سلة المهملات، بل جعلها جندي مرتزق في حروب نتنياهو الخطرة الإقليمية..
رغم كل شيء هناك توقع لدى جهات في المنطقة أن يضرب بايدن هذه المرة كفه على الطاولة بوجه نتنياهو حتى يمنعه من توريط أميركا بحرب إقليمية لا تريدها واشنطن؛ ولكن تجارب الأمس القريب تقول إن ما يجدر توقعه هو أن يصفع نتنياهو بايدن بمفاجآة جديدة من العيار الثقيل قبل ١٥ آب، تؤدي ليس فقط إلى انهيار سراب اجتماع ١٥ آب؛ بل إلى إدخال المنطقة في أتون حرب كبرى تفوق بأخطارها الحرب الأوكرانية!!.