خاص الهديل |
منذ ما قبل التجمّع الذي دعت إليه مجموعة من الجهات السياسية كحزب الكتائب وحزب سبعة، ومجموعة "المنتديات" التي يقودها المحامي نبيل الحلبي، تصاعدت الأصوات بوجه هذا التجمّع والذي رُوِّجَ في وسائل الإعلام أنّه سيتعدّى المطالب المعيشية وسيرفع شعار "تطبيق" قرار مجلس الامن رقم 1559 والذي ينصّ على نزع سلاح كلّ التنظيمات في لبنان وحصرها بيد الدّولة، بإشارة واضحة لسلاح حزب الله…
كثير من القوى السياسية اللبنانية من مختلف الإتجاهات سارعت إلى التعميم على مناصريها أنّ التجمّع المذكور لا يعنيها كتيّار المستقبل والحزب التقدمي الإشتراكي وحتى الأحزاب والتجمّعات التي ارتبط اسمها بثورة 17 تشرين الاول كالحزب الشّيوعي اللبناني والتنظيم الشّعبي الناصري ومجموعات الحراك في الجبل وبعلبك-الهرمل والجنوب وصيدا وغيرها، باعتبار أنّ مطالبهم معيشية بحت ولا يريدون أن يتم "ركوب" موجة التظاهرات لتصفية حسابات سياسية داخلية وإقليمية.
يوم السّبت، كما كان متوقّعًا لم يمضِ على خير، وإن انتهى كما قال المراقبون سابقًا أنّه سيشهد أحداثًا تنتهي مفاعيلها مع انتهاء يوم السّبت، إلا أنّ التوتّر الكبير الذي شهدته شوارع بيروت والمناطق والذي تحوّل إلى اشتباك مسلّح استمر طيلة ساعة وربع من الزّمن بين منطقتي الطريق الجديدة وبربور، ومنطقتي الشّياح وعين الرّمانة على خلفية إساءات وهتافات طائفية شهدتها الأحداث في تظاهرة السّبت بين شبّان من منطقة الخندق الغميق وآخرين مناصرين لمجموعات "المنتدى" في منطقة جسر الرّينغ، أدّت لتسيجل ملاحظات كثيرة من قبل المراقبين…
خطوط التّماس…
أحداث ليل السّبت، سجّلت "إعادة إحياء" خطوط التماس التقليدية إبّان الحرب الأهلية وتحديدًا في منطقة صيدا القديمة بين الشياح وعين الرمانة، والتي شهدت إشكالات بين شبّان من المنطقتين المتقابلتين، وتحديدًا بين مناصري الثنائي الشيعي ومناصري القوات اللبنانية، مع هتافات متبادلة من العيار الثقيل كادت تفجّر "المحور" بين جميع الاطراف لولا تدخّل الجيش اللبناني بقوة والفصل بين الطرفين عند "خط التماس"…
الخطّ القديم- الجديد، تجلّى بين منطقتي الطريق الجديدة وبربور في منطقة كورنيش المزرعة، والتي كانت "سيدة" الاحداث، حيث تحرّك شبّان من منطقة الطريق الجديدة ليقطعوا طريق الكورنيش اعتراضًا على الهتافات والإساءات التي أطلقت في منطقة جسر الرّينغ، وسرعان ما تحوّل الإحتجاج إلى تبادل لإطلاق النّار بين المنطقتين نجم عنه جريحين، حيث استطاعت الإتصالات السياسية بين الاطراف إلى تهدئة الاوضاع وسحب المظاهر المسلّحة وانتشار الجيش بقوة مؤللة كبيرة في المنطقة لمنع تجدد الإشتباكات….
الرّابحون والخاسرون…
يقول المراقبون أنّ تحرّك يوم السّبت أدّى لتوجيه ضربة قويّة لانتفاضة 17 تشرين، رغم أنّ كثيرًا من أطرافها امتنعت أو اعترضت عن المشاركة بتظاهرة 6-6، وذلك لاعتبارات أبرزها:
-عودة الشّحن الطائفي في الشّارع، والذي بدوره عزز الإصطفافات السياسية التقليدية
-احراج مجموعات الحراك في المناطق الشّيعية والتي بأغلبها ترفض مطلب نزع سلاح حزب الله، ولم تعد قادرة على الحشد خوفًا من تأثير الموضوع وحساسيته على حراك البيئة الشيعية
-ابتعاد التنظيمات اليسارية وتحديدًا الحزب الشّيوعي وحركة الشعب والتنظيم الشّعبي الناصري والوزير السابق شربل نحّاس وغيرهم من القوى وذلك بسبب دعوة ومشاركة حزب الكتائب والذي تختلف هذه الاحزب إختلافًا إيديولوجيًا واسعًا معه، بالإضافة إلى قيام مجموعات من الكتائب والمنتدى ببث مناشير عبر وسائل التواصل تشير إلى أنّ تحرّك السّبت يستهدف سلاح حزب الله والأحزاب اليسارية التقليدية…
سجّلت تظاهرة السّبت إبتعاد الأحزاب والتنظيمات اليسارية عن المشاركة سبب دعوات الكتائب والمنتدى
ويقول المراقبون إلى أنّ حزب الكتائب اللبنانية وحزب سبعة تلقيا ضربة قوية في "ضعف" التظاهرة باعتبار أنّهما كانا الجهتين الداعيتين بشكل رسمي أمام الإعلام، وسجّل المراقبون الملاحظات التالية:
-فشل الكتائب وسبعة بالحشد بشكل واسع، حيث لم يتجاوز عدد المشاركين بالتظاهرة الـ5000 شخص رغم كلّ الإمكانيات التي بذلها الحزبان لتجييش الحشد ودعوة محازبيهم لضرورة المشاركة بالتظاهرة، حيث يقول المراقبون أنّ التظاهرة كشفت ضعف القاعدة الشعبية للحزبين واللذين يحاولان منذ 17 تشرين "ركوب موجة" الإنتفاضة، إلا أنّ تظاهرة السبت أظهرت رفضًا من قبل قوى الإنتفاضة للحزبين باعتبار أنّهما يريدان استغلال الحراك لأجندات سياسية.
وعن حالة "مجموعات المنتديات" التي يرأسها نبيل الحلبي، فإنّ أحداث يوم السّبت بحسب المراقبين كشفت ضعف التنظيم لدى هذه المجموعة، كما كشفت عدم تقبّل الشّارع السّنّي لهذه الظاهرة رغم كلّ محاولات الحلبي ومجموعاته للإيحاء بأنّهم يسجّلون حالة جديدة في الشّارع السّنّي، كما يقول المراقبون أنّ مجموعة المنتدى المشاركة في التظاهرة تورّطت بعدة إشكالات في السّاحة، وشاركت بـ"تسخين" الأجواء مع منطقة الخندق الغميق بفعل الهتافات الطائفية التي أطلقها مناصرو المنتدى والذين لم يتعدَ عددهم بضع عشرات من مختلف المناطق اللبنانية. ويضيف المراقبون أنّ مفاعيل يوم السّبت جاءت نتائجها عكسية بشكل مباشر على "المنتدى" حيث تلقّى ضربات تنظيمية باستقالات وانسحابات لمسؤولين محسوبين عليه في الطريق الجديدة وغيرها.
كشفت تظاهرة السّبت ضعف التنظيم لدى مجموعات المنتدى التي يرأسها نبيل الحلبي وعدم قدرته على الحشد في الشّارع
الضربة التي تلقاها "المنتدى" و"نبيل الحلبي" أثبتت بحسب المراقبين أنّ تيار المستقبل والرّئيس سعد الحريري مازالا يحتفظان بقوة كبيرة في الشّارع السّني، حيث تجلّى ذلك بمقاطعة تيار المستقبل لتجمّع يوم السّبت، والتي انعكست بمشاركة سنيّة ضعيفة بفعل المقاطعة من قبل المستقبل، كما سُجّل للتيار سرعة تحرّكه لضبط الأمور على الأرض يوم السّبت وإنهاء مفاعيل فتنة كان يُحضّر لها في بيروت وتحديدًا في الطريق الجديدة.
وعن حزب الله، يقول المراقبون أنّه كان أكبر الرابحين يوم السّبت وذلك لعدة اعتبارات أبرزها:
-مقاطعة مجموعات الحراك المحسوبة على البيئة الشيعية للحراك واعلان بعضها بشكل واضح أنّه مؤيّد لسلاح الحزب، بينما بعضها الآخر اعتبر أنّ قضية نزع سلاح حزب الله لا تعنيه وليست قضيّته.
-إظهار السيطرة الكبيرة للحزب على الشارع الشيعي رغم كلّ الأحداث التي مرّ بها لبنان منذ انتفاضة 17 تشرين الأوّل
-إستطاع حزب الله أن يحصل من الأحزاب على عدم اهتمام أغلبها بطرح قضية السّلاح بالشارع وليس تأييدًا إنّما على اعتبار أنّها قضية إقليمية ودولية لا يستطيع اللبنانيون حلّها عبر التظاهر والتظاهر المضاد.
الرسائل السّبتية…
يلخّص المراقبون الرسائل التي برزت يوم السّبت من عدة أطراف بعدة إتجاهات كالآتي:
-رسالة الأزهر الشّريف الذي أصدر بيانًا بخصوص الاحداث التي شهدتها بيروت على خلفيات مذهبية، باعتبار أنّ كلا الطرفين السّنة والشيعة من المسلمين وعليهما أن يسعيا لوأد الفتنة، ما يؤشّر إلى أنّ ما حصل لم يكن بهذه "العفوية" إنّما على صعيد أكبر من لبنان ربما.
-الإنعكاس الواضح لشد الحبال الأميركي- الإيراني في لبنان، عبر طرح قضية السّلاح في الشارع، والتي قابلتها حالة من "الفوضى المضبوطة" كما يقول المراقبون، حيث يتساءل المراقبون إن كانت هذه "البروفا" موجّهة نحو موضوع "طرح سلاح حزب الله" ونحو مفاعيل "قانون قيصر" وانعكاساته؟
شكّلت رسالة الأزهر الشّريف إهتمامًا إقليميًا باستقرار الأوضاع في لبنان وعدم إنجراره للفوضى والفتنة
-إصرار جميع الأطراف وفي مقدّمتهم تيار المستقبل والحزب الإشتراكي على منع تفلّت الأمور في الشّارع، وتجلّى هذا في الخطوات السريعة التي قام بها المستقبل بتوجيهات الرئيس الحريري لوأد الفتنة في مهدها، كما سُجّل تدخل سريع للمرجعيات الدينية السنية والشيعية لمنع تفاقم الأمور وإنهاء مفاعيل ما شهده ليل السّبت من أحداث، خوفًا من تطورها إلى الأسوأ
-ويشير المراقبون أيضًا إلى وجود عدة شوارع في لبنان قابلة للتفجير بـ"أي دعسة ناقصة" قد تؤدي إلى تفجّر كامل الوضع فيه بحال لم يتم التدخّل بشكل سريع، وقد تنامت هذه الشوارع القابلة للتفجير بفعل ارتفاع معدلات البطالة والفقر بسبب الأزمة المالية والإقتصادية التي يمرّ بها لبنان…