"الراي الكويتية":
… Switch off في المَشهد السياسي الذي انْهمك في تفكيكِ شيفرةِ أحداثِ السبت التي نَفَضتْ الغبار عن صفحاتٍ سود من ذاكرة الحرب اللبنانية، وSwitch on في الملف المالي – النقدي الذي يُنْذِر بدوره بجرّ البلاد إلى انفجارٍ اجتماعي على وقع «حرب بقاءٍ» يخوضها القسم الأكبر من اللبنانيين بوجه انهيار الليرة أمام الدولار وتَناسُل الأزمات المتصلة باقتراب الاقتصاد من «لفْظ أنفاسه».
هكذا بدا المشهدُ في بيروت أمس، حيث انكفأت وقائع ما اعتُبر «انتفاضة على انتفاضة 17 تشرين» من أطراف في السلطة حوّلت الشارع منصّة لرسائل بـ«البريد السريع» برسْم اللحظة المحلية كما الإقليمية، لتندفع مجدداً كرة النار المالية التي تتنازع إخمادها الصعوباتُ التي تعترض بلوغَ تَفاهُمٍ على برنامج إنقاذي مع صندوق النقد الدولي، والقطبُ المخفية السياسية، الإقليمية – الدولية، التي تتجاذب الواقعَ اللبناني ولا سيما مع اقتراب ساعة الصفر لسريان «قانون قيصر» الأميركي.
وإذا كانت مجريات سبت التوترات الطائفية والمذهبية ومحاولاتُ سكْب مياه باردة عليها سلكتْ طريقها إلى الكواليس وسط اتصالاتٍ ولقاءاتٍ مكثفة بين الأطراف السياسية المؤثّرة على الأرض وغيابٍ فاضح للحكومة التي بدت فاقدة لزمام المبادرة في واحدٍ من أخطر المنعطفات في الوضع اللبناني، فإنّ الهمّ المالي لا يشي بدوره بآفاق أكثر اطمئناناً في ظلّ مؤثراتٍ داخلية وأخرى دولية يصعب معها التكهّن بكيف ومتى سيتم هندسة الممرّ الآمن للخروج من الورطة المالية – الاقتصادية التي تؤشر لكوابيس متوالية.
وفي هذا الإطار، وفيما كان أحد الخبراء المصرفيين المخضرمين يشبّه الواقع المالي للبنان بسيارةٍ ما زالت تنقلب في الهاوية ولا يُعرف بعد أن ترتطم في القعر مَن سيخرج منها على قيد الحياة ولا الأضرار القابلة للإصلاح، مضى لبنان الرسمي في محاولة تَدارُك الخطأ الفادح الذي شكّله بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بخريطتيْن رقميتيْن لكل من الوفد الحكومي والوفد المصرفي (البنك المركزي والمصارف) حيال الخسائر المالية، الأمر الذي تَرَكَ انطباعات بالغة السلبية لدى المجتمع الدولي الذي يضع على «الرادار» كل سلوك السلطة بأدقّ تفاصيله باعتباره من مؤشرات مدى مطابقته لمعايير الجدية على مستوييْن:
الأول مقاربة مرتكزات الأزمة المتشعّبة.
والثاني الالتزام بموجباتِ الحلول الإصلاحية والتي لها متمماتٌ أيضاً تطلّ على محاور سياسية بامتدادات إقليمية، مثل موضوع ضبْط الحدود مع سورية والذي بات يترنّح بين معادلةِ قفْل مزاريب التهريب عبْرها وقطْع الرئة التسليحية والاقتصادية لـ«حزب الله» ووقف رفْد النظام السوري بمقوياتٍ (تهريب مشتقات نفطية ومواد غذائية) وهو ما ستصبح له أبعاد أكثر خطورة بعد دخول «قيصر» حيز التنفيذ، وبين معادلة فتْح الحدود والتنسيق مع النظام التي يدفع الحزب في اتجاهها سواء من باب محاولة إحداث توازن سلبي مع الاندفاعة الدولية، أو لاقتناعٍ فعلي بـ«السوق المشرقية» كممرّ خلفي للهروب… إلى الأمام.
وكان لافتاً في هذا السياق أمس تطوران:
* الأول قرْع مجموعة الأزمات الدولية ناقوس الخطر حيال الواقع اللبناني محذّرة في تقريرها السنوي من «أن لبنان يشهد أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه»، منبهة إلى أن «لبنان يحتاج إلى مساعدات خارجية ملحة لتفادي أسوأ العواقب الاجتماعية»، ومعتبرة أنه «من أجل الحصول على تمويل جديد وتجنّب الأسوأ، يتوجب على لبنان تسريع المفاوضات مع صندوق النقد بشكل عاجل»، ومشيرة إلى أنه «إلى حين توافر دعم دولي أكبر، قد تحتاج الجهات المانحة الخارجية إلى زيادة مساعداتها الإنسانية لمساعدة اللبنانيين الأكثر تأثراً بالأزمة».
* والثاني الاجتماع المالي الذي عُقد في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون وحضور رئيس الحكومة حسان دياب ووزير المال غازي وزني، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والفريق المفاوض لصندوق النقد بهدف بت مسألة ازدواجية الأرقام حول الخسائر المالية.
وإذ أُعلن أنه تم الاتفاق نتيجة اللقاء، وهو الثاني الذي يترأسه عون، «على أن تكون الأرقام الواردة في خطة الحكومة الإصلاحية المالية منطلقاً صالحاً لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي»، لاحظتْ أوساط متابعة أن عبارة «منطلق» تعكس عدم حسْمٍ في هذه المسألة التي ما زالت مدار أخذ وردّ دخلت عليه «لجنة تقصي الحقائق» المنبثقة من لجنة المال النيابية، وسط اعتبار المصارف أن المنهجية التي اعتمدتْها خطة الحكومة تعني «إعدام» القطاع المصرفي واقتطاع نحو 70 في المئة من أموال المودعين، وقد اختصرها الأمين العام لجمعية المصارف مكرم صادر قبل أيام بقوله «ذهب واضعو خطة الحكومة إلى حلٍّ يقضي بإلغاء كل ديون الدولة بشحطة قلمٍ وفي يومٍ واحدٍ مقابل تحميلها للمصارف ولمصرف لبنان. بكلامٍ آخر، يقرّر واضعو الخطة بسهولة متناهية تصفير ديون الدولة وإظهارها خسائر في ميزانيّات المصارف ومصرف لبنان، ما يبرّر وضع اليد على القطاع المصرفي واستبداله بخمسة مصارف تتحكّم بملكيّتها وإداراتها بعض القوى السياسية».