"الراي الكويتية":
على طريقة تقنية الـ «هايبرلوب» لاختصار الزمن في حركة الانتقال الأرضية بسرعةٍ «طائرة»، تبدو المبادرة «الاختبارية» للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي وَضَعَ الطبقة السياسية اللبنانية في ما يشبه «الكبسولة» التي يراهن على أن يَنْجح في استكمال هنْدسة أنابيبها الداخلية والإقليمية وتفريغها من الهواء المُعاكِس الإقليمي – الدولي، وتحويل الحقل المغناطيسي الخارجي الذي لا ينفكّ يجذب «بلاد الأرز» إلى عين العواصف رافعةً تدفع الوطن الصغير بمحركاتٍ مضبوطة زمنياً نحو وُجهة إنقاذٍ… مُمَرْحَل.
هكذا تعاطتْ أوساطٌ سياسية في بيروت مع الحركة الطموحة لماكرون في حقل الأزمات اللبنانية والتي بدا من الصعب فصْلها عن تطلّعات باريس إلى حجْز مكان متقدّم لها في المنطقة التي تقف على فوهة تحولات جيو – سياسية كبيرة انطلاقاً من الساحات اللاهبة التي انضمّ إليها أخيراً صراع المضائق والبحار مع تحوّل شرق المتوسط بحيرةَ توتّر عالٍ انخرطتْ فيه فرنسا بوجه تركيا على وقع سباقٍ محموم مع «الخطوط الحمر» المتبادَلة فوق الأرزق الكبير.
ولم يكن ممكناً وفق هذه الأوساط، الفصل بين إمساك ماكرون «دفة قيادةِ» (ما يراه) «مركبَ النجاة» اللبناني رافعاً شراع الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح عبر «حكومة مَهمّة» حدّد لها «فترة المخاض» (15 يوماً) وبرنامج عملها وجدوله الزمني (3 أشهر كحدّ أقصى) بلغةٍ أقرب إلى «الإملاء»، وبين انتقال الرئيس الفرنسي من بيروت إلى بغداد حاملاً رسالة دعم لسيادتها ودعوة للعراق للنأي بنفسه عن التوترات الإقليمية، من ضمن مسارٍ يكرّس أكثر فأكثر ملامح رغبةٍ فرنسية باكتساب دور «شرطي» جديد في المنطقة التي بدا أن لاعبيها الرئيسيين… اكتملوا.
وسائراً بين خطوط المواجهة الكبيرة الأميركية – الإيرانية، دَخَل ماكرون بغداد، تماماً كما فعل في بيروت حيث تَبلْورتْ مؤشراتٌ إلى اقتناع فرنسي بضرورة فصْل المسارات في ما خص آفاق المأزق اللبناني، بحيث تسعى باريس إلى إطلاق قطارِ الإصلاحات البنيوية وفق أجندةٍ محدّدة بوضوحٍ وعلى قاعدة تحييد العناصر السياسية في الأزمة الشاملة التي تقبض على «بلاد الأرز» – ولا سيما في ما خصّ عنوان «حزب الله» سلاحاً وأدواراً عابرة للحدود – التي تبقى «في مرمى» العصا الأميركية التي سيتبيّن إذا كانت ستبقى على مسارها المتشدّد بالتوازي مع «اليد» الممدودة من فرنسا التي تلوّح بدورها بقبضة العقوبات في اليد الثانية ما لم تُقْلع عملية الإصلاح سريعاً، وذلك مع وصول المسؤول الأميركي ديفيد شينكر إلى لبنان (مساء أمس) في زيارة تستمر حتى يوم الجمعة.
وفي حين لا تستبعد بعض الدوائر أن تكون «العودة» الفرنسية القوية إلى المنطقة من ضمن تناغُم مع واشنطن وفي سياق إرادةٍ بتشكيل «حضن دافئ» يتولى عبر القوة الناعمة تشكيل حاجزٍ أمام التمدُّد الصيني والروسي، استوقفها كلام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أمس وإعلانه «اننا نعمل مع الفرنسيين ولدينا الأهداف نفسها والسفير ديفيد هيل كان في بيروت قبل أسابيع والتقى العديد من الزعماء»، مشيرا الى أن «الأمور ليست على طبيعتها في لبنان ولن تكون كما في السابق»، مؤكداً «ضرورة أن تكون هناك حكومة تقوم بإصلاحات معتبَرة وتُحْدِث تغييرات كما يطالب الشعب»، ومعتبرا أن «نزع سلاح (حزب الله) أكبر التحديات».
وأشارت هذه الدوائر إلى أن تبيان الخيط الأبيض من الأسود في ما خص خفايا الحِراك الفرنسي الناشط لن يتأخّر وسيشكّل المنحى الذي سيسلكه ملف تأليف الحكومة الجديدة في لبنان أول مؤشراته رغم الانطباعات بأن توقيت «الإنزال» الذي قامت به باريس خلف خطوط الواقع المتهالك في بيروت ونجاحها في إمرار استحقاق تكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة عبر شخصية «تَسْووية» بين أطراف الداخل وبغض طرْف دولي وتسهيل إيراني ساهم في «إنعاش» الائتلاف الحاكم (تحالف فريق الرئيس ميشال عون و«حزب الله») الذي كان وجهاً لوجه أمام «إعصار» التفجير الهيروشيمي في المرفأ وتبعاته السياسية كما ملامح هبّة جديدة من العقوبات الأميركية.