كتب أليكس فيشمان في افتتاحية "يديعوت" أنّ عملاً عسكرياً ضدّ المشروع النووي الايراني يحوم مرة اخرى في الجو، بالضبط مثلما كان الأمر عليه في 2011. وإذ اعتبر أن إسرائيل ليست في مرحلة القرار للضغط على الزناد، رأى أنها تقترب من هناك بسرعة، وهذا أمر ليس منوطاً بها، إذ ليست هي التي تملي وتيرة الاحداث، ولكن لو كانت لدولة اسرائيل حكومة تؤدي مهامها وكابينت يعمل بشكل مرتب، فإنّ هذا سيكون الموضوع الأساسي الذي يفترض أن يكونوا غارقين فيه اليوم وفي الأشهر القريبة المقبلة.
إنّ تصفية أبي النووي الإيراني محسن فخري زادة ليست سوى محفّز آخر لهذه المسيرة، التي يمليها التيار المحافظ في النظام الايراني. فبعد يومين من التّصفية اتخذ البرلمان الإيراني سلسلة من القرارات التي تلغي عملياً القيود التي فرضها الإيرانيون على أنفسهم في إطار الاتفاق النووي. ما كان ينبغي أن يشعل ضوءاً أحمراً في إسرائيل هي تلك البنود في القرارات التي توجّه خطى لجنة الطاقة الذرية في ايران لاستئناف العناصر التي تعود للمشروع النووي العسكري الذي يُزعم انه لم يعد قائما منذ عقدين من الزمان. هكذا، الى جانب قرارات مثل تخصيب 120 كيلوغرام يورانيوم الى مستوى 20 في المئة في معامل التخصيب في فوردو لزيادة الكمية العامة من اليورانيوم المخصّب الى 500 كيلوغرام في السنة والبدء في تشغيل ما لا يقلّ عن جهاز طرد مركزي حديث في غضون ثلاثة اشهر في معمل "نطنز"، تظهر قرارات إشكالية عدّة، حتى المؤيدين المتشبثين بمواصلة الاتفاق النووي مع ايران مثل فرنسا، المانيا وبريطانيا، لا يمكنهم ان يهضموها. وحتى الصين وروسيا اللتان تؤيدان ايران وعلى خلاف مع إدارة دونالد ترامب، "تسدّان أنفهما".
يدور الحديث مثلاً عن قرار لاستئناف انتاج قضبان اليورانيوم في المعمل في اصفهان حتى نيسان، وقرار لاعادة إنشاء مفاعل المياه الثقيلة في أراك منذ بداية السنة المقبل– ما يلمح إلى النية للعودة الى المشروع العسكري. واذا لم يكن كل هذا بكاف، فقد أعلن البرلمان الإيراني بانه يعتزم وقف زيارات مراقبي الامم المتحدة إلى المنشآت النووية في غضون شهرين الا اذا سمح لايران بان تبدأ منذ شباط بتصدير النفط بشكل حرّ.
هذه القرارات هي نتيجة مباشرة لانتصار المحافظين في الانتخابات للبرلمان في شباط (فبراير). ومنذ ذلك الحين قدّرت اسرائيل بانهم لن يسمحوا للاصلاحيين بالوصول الى الانتخابات والرئاسة في حزيران (يونيو) وفي جيوبهم التسهيلات في العقوبات الاميركية، على خلفية دخول بايدن إلى البيت الابيض. كما قدرت اسرائيل بان المحافظين سيسعون الى جمع أكثر قدر ممكن من المقدرات في شكل خروقات للاتفاق النووي الاصلي، قبيل المفاوضات المحتملة – بحيث يتمكنوا من ان يعرضوا تنازلات كبيرة مزعومة في مجال النووي العسكري، ويساوم الامريكيون معهم في مجال الصواريخ الباليستية والتدخل الايراني في الشرق الاوسط. ويمكن لنا ان نشير الى ان تصفية فخري زادة لم تكن السبب الحقيقي للتطرف الإيراني بل الذريعة وحسب.
إنّ الأيام التي ستمرّ حتّى دخول بايدن إلى البيت الابيض هي ايام حرجة: توجد هنا دينامية خطوات كل واحدة منها من شأنها أن تخلق سوء فهم وتدهور سريع الى مواجهة مسلحة. ومن شأن ادارة ترامب، في اواخر ولايتها ان تهاجم ايران اذا نفذ الايرانيون الخطوات التي قرروها. وبالتوازي، على اسرائيل ان تعود الى المسائل التي تصدت لها في 2011 وان تقرر ما هي خطوطها الحمراء في ضوء امكان ان تعود ايران الى المشروع النووي العسكري. فهل اعمال على نمط فخري زادة او ضرب لمنشآت نووية ا رانية ستوقف بالفعل المشروع النووي العسكري ام انه لن يكون مفر من خطوات كاسحة وصاخبة اكثر بكثير؟ وسؤال آخر: هل الجيش الاسرائيلي مستعد لتنفيذ ناجع لمثل هذه الخطوات؟ في 2011 لم يؤمن الجيش بقدراته.
وفي هذه الاثناء ماذا تفعل حكومة اسرائيل في الساحة الدولية؟ هل لاحد ما اي فكرة اذا كانت ادارة بايدن ستشرك اسرائيل وتنسق معها الخطوات تجاه ايران مثلما فعلت ادارة ترامب؟ توجد هنا فرصة لايجاد قاسم مشترك مع الاوروبيين حول الاتفاق النووي الجديد – ولكن هل يعنى احد ما بهذا؟