السجال اليوم بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، يثبت أن احترام مبدأ فصل السلطات يتم تجاوزه بسهولة. لقد قال الرئيس عون اليوم، ان دور المجلس الدستوري لا يجوز أن يقتصر على مراقبة دستورية القوانين فحسب، بل كذلك تفسير الدستور؛ ورد بري معترضا حيث قال ان تفسير الدستور من حق المجلس النيابي دون سواه .
والواقع أن كلام الرئيس عون كان يمكن أن يمر من دون أن يتوقف عنده الرئيس بري، لولا أن هناك خلفيات قديمة تجعل المتراس الدستوري بين عين التينة وقصر بعبدا جاهزا للاشتعال في اية لحظة.
وهناك في هذا المجال، ثلاث نقاط تشكل عوامل مختبئه او هي جمر تحت الرماد :
النقطة الأولى تتمثل بوجود اتجاه يمثله بعض المسيحيين وعلى رأسهم الرئيس عون وصهره جبران باسيل . وهذا الفريق يرى أن صلاحيات فخامة الرئيس التي انتقص منها الطائف يمكن استرجاعها من خلال الممارسة وليس بالضرورة من خلال إعادة كتابة الدستور.. ومن هذه الفكرة ولد مصطلح " الرئيس القوي" الذي يستطيع أن يفرض ممارسات سياسية بغض النظر عن ما يقوله " دستور الطائف " . والواقع أن كلام عون اليوم الذي سارع بري للرد عليه، هو محاولة من قصر بعبدا لجعل الممارسة السياسية المدعومة من الرئيس القوي، اقوى من الصلاحيات الدستورية وانتظام الحياة السياسية وفق اصولها .
النقطة الثانية تتعلق بأن داخل تيار الوطني الحر، هناك تفكير عدائي ضد بري . فالعونيون يعتبرون أن بري ينغص العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر؛ ويعتبرون أن اقتدار بري على مستوى إدارة مجلس النواب ، تنتقص من قوة اقتدار قصر بعبدا على مستوى المعادلة السياسية . وكل هذا التفكير هو الذي جعل عون يحاول أن يلجأ لمعادلة وضع المجلس الدستوري بوجه المجلس النيابي.. وهكذا يصبح هناك سلطتان تشريعيتان، ويصبح هناك سلطة تشريعية تراعي توجهات قصر بعبدا السياسية، بمقابل المجلس النيابي الذي هو حسب الدستور يفترض أن يكون " ابو التشريع" .
النقطة الثالثة تتصل بأن الرئيس عون يتجه في هذه المرحلة لجعل الممارسة السياسية بمثابة فعل يعتمد على معادلات القوى وليس على اساس ما يقوله الدستور .. ومن هنا كان قيامه بتقديم تشكيلة حكومية للرئيس المكلف بدل ان يستلم منه التشكيلة بحسب الدستور .. وكذلك يقوم عون اليوم بإطلاق فتوى ان المجلس الدستوري يفسر الدستور، بينما عمل هذا المجلس بحسب الدستور محصورا بمراقبة تنفيذ الدستور.
لقد أراد بري من خلال رده السريع على كلام رئيس الجمهورية القول للاخير: .. الا مجلس النواب ..