لم تخطفني حميمية الأحضان، ولا دفئ المشاعر التي أذابت جليد الشتاء، وأسكتت المحللين والمهللين، هناك في قمة العلا، كل شئ كان قابلاً للاحتواء، فبرغم سنوات القطيعة، عانقت المحبة عنان السماء!
لا عجب في السياسة تتصالح المصالح، فلا قطيعة تدوم، ولا تقارب يستمر.
واقعياً.. لم تصن قطر وداً، تحدثت قمة العلا عن وصاله، ولم تتعهد صراحةً بتلبية مطالب التحالف العربي الـ13 بما فيها إغلاق قناة الجزيرة، والقاعدة العسكرية التركية، وقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، وخفض مستوى العلاقات مع إيران.
وبمقاييس المنطق، لا تخضع مصالحة دول التحالف العربي: السعودية-الإمارات-مصر والبحرين، مع قطر لحسابات الندية، فلا تقبل الجغرافيا أن تقارن 3.251.253 كيلو متر مربع بـ11,571 كم² ، ولا تقبل الديموغرافيا أن يُقارن تضرر مصالح 154.200.000 مليون نسمة، لأجل عيون 313,000 ألف نسمة تعداد سكان قطر الأصليين، إذاً، لماذا عادت أحضان الغُرماء؟
لم يكن من المتصور أن يصبح راعِ الأزمة، جزءاً من الحل، لكنها حسابات السياسة ومتغيراتها، ففي 9 يونيو 2017، هاجم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الدوحة متهماً إياها بتمويل الجماعات الإرهابية، وقال صراحةً إنه: "كان علينا أن نتخذ خياراً صعباً ولكن ضرورياً… إن الوقت قد حان لدعوة قطر لإنهاء التمويل"، وسرعان ما تبدلت الأحوال و كرَّست إدراة ترامب قُبيل انتهاء ولايته -فى الوقت بدل الضائع- جهوداً غير مسبوقة، لطي صفحة الخلاف برعايته وحضور مستشاره وصهره جاريد كوشنر، لا سيما أن أيَّة تحرك للإدارة الأمريكية في الخليج، لا يتم إلا وأعينها على طهران، التي وجدت في العزلة القطرية ضالتها أمنياً واقتصادياً.
دون أن نقلل من الجهود الحثيثة التي بذلتها كل من الكويت وعُمان لرأب الصدع، لاقى السعي الأمريكي هوىً، لدى الرياض التي غيرت سياساتها، وتنازلت ضمنياً عن شروط كانت فرضتها في السابق لعودة العلاقات مع الدوحة، بعد وصول الرئيس الأمريكي الديمقراطي "جوبايدن" إلى الحكم، والمتوقع أن يكون له رأي آخر تجاه العلاقات الأمريكية السعودية، على خلفية مقتل الصحفي "جمال خاشغجى"، وملف حقوق الإنسان.
وتسعى الرياض للقضاء على النفوذ الإيراني المتنامي في منطقة الخليج، والذى يشكل تهديداً صريحاً على حدودها، بالمصالحة مع قطر، في وقت لم تنجح في القضاء على ذات النفوذ الفارسي بالحرب في اليمن.
أما بالنسبة للدوحة، لم يتضح حتى الآن موقفها من إيران، لا سيما أنها لن تنسى جميل فتح الأجواء الإيرانية طيلة السنوات الثلاث الماضية، لكن المصالحة، ستجعلها تتوقف عن دفع رسوم باهظة، مقابل استمرار المرور عبر مجالها الجوي، وخاصة مع اقتراب مونديال عام 2022، الأمر الذي يحرم طهران من تدفق مليارات الدولارات التي تخفف من وطأة حصارها الاقتصادي.
على الصعيد المصري، الانفتاح الخليجي القطري لم يلقَ قبولاً لدى الشارع المعبأ إعلامياً ضد الدوحة، بينما يواجه الرئيس عبدالفتاح السيسي التزاماً أدبياً، بعدم الخروج على إجماع دول التحالف، التي كان في تأييدها لمواقف مصر بالغ الأثر في الردع، وتضييق الخناق الاقتصادي على الدوحة، الأمر الذي أوجب على الإدارة المصرية، التوقيع المبدئي على المصالحة، دون أن تتخلى القاهرة عن تحفظاتها، التي بدت جلية في عدم حضور الرئيس للقمة، برغم دعوته، وبيان وزارة الخارجية، الذي شدد على "عدم التدخل بالشئون الداخلية للدول"، في إشارة واضحة لضرورة توقف قطر عن دعم جماعة الإخوان المسلمين، والتحريض على العنف، وقلب نظام الحكم عبر شاشات الجزيرة.
على أية حال، لم تحسم المصالحة الخليجية القطرية كلا أو بعض من مخاوف أعضائها، ولن تعود المياه لمجاريها، ما لم تتضح بوصلة الإدارة الأمريكية الجديدة، وموقفها تجاه الخليج و صراعات منظقة الشرق الأوسط وتركيا وإيران، عندها ستترجم عملياً حالة التفاؤل المفرط بعودة الدوحة لأحضان الخليج.
محمد سويد – القاهرة