-خاص الهديل-
صدقًا إنّ ما يعيشه اللبناني ليس بحياة، إذ ليس من المعقول أن يتحمل اللبنانيون أزمات السياسيين ومشاكلهم، ليس من المفترض أن يعيش "ابن البلد" الصعوبات التي يعايشها اليوم، وليس من المطلوب أن يشغل باله بأمور أصبحت من المسلمات في أيّ بقعة من على هذا الكوكب، لا يجب على اللبناني أن يشغل وقته وتفكيره وراحته بأمور كموعد مجيئ التيار الكهربائي أو تأمين مياه الشرب وحال الطرقات ومواضيع كانتشار معدلات السرقة والخطف والقتل، فيما لم نذكر بعد أمور كالانيهار المالي والاقتصادي والتفجيرات والاشتباكات التي تحصل بين فينة وأخرى.
إنّ وظيفة الدولة والمسؤولين، هي تأمين راحة بال المواطنين، السهر عليها، حمايتها، بل وتطوير أدواتهم ووسائلهم، تخيلوا معنا كيف أنّ دولة كلبنان وبتاريخ عام 1895، قد كان لديها محطتا قطار تربط لبنان بالعالم العربي وأوروبا، وكيف تحولت تلك المحطات إلى خردة وذكرى رائعة ذهبت ولا أظنّ أنها ستعود قريباً. لذلك وبصريح العبارة، إن لم يكن المسؤول بقادر على أداء وظيفته، فليرحل.. نعم ببساطة، فليرحل السياسي الغير قادر على إدارة شؤون الدولة.
ولكن كيف الرحيل، فليرحل السياسي إما بالاستقالة من منصبه "شرفًا"، أو عبر صناديق الاقتراع، وتلك تكون الديمقراطية بعينها، أو بثورة شعبية جامعة، تزيح الساسة من على كراسيهم وترميهم في مزبلة التاريخ، هذا مكان اللامسؤول أو اللامؤمتمن على أمور الدولة، هذا مصير السارق والناهب فكيف بمصير القاتل أيضًا، لا يمكن على أيّ سياسي أن يخفي أنه لم يرتكب جرمًا معينًا، الجميع مسؤول عن ما وصل إليه حالنا اليوم، الانهيار والدمار والخراب الذي نعيشه، أمر ليس بمعقول، والمصيبة أنّ لا أحد يحاسِب أو يحاسَب، بل الجميع بريئ، والجميع مترفع عن المساءلة والمحاسبة.
ولكن لماذا؟ لما يشعر المسؤولون اللبنانيون على أنّهم أعلى وأرقى من أن يحاسبوا على جرم فعلوه أو ربما مجرد خطأ صغير، للأسف وبكلّ صراحة، وربما هذا الأمر ليس بجديد، يشعر المسؤولون اللبنانيون على أنّهم "آلهة"، نعم المسؤول فلانٌ وآخر علان هم آلهة تعبد وتقدّس، من غير المقبول التعرض لهم، أو مهاجمتهم وربما فقط انتقادهم، آلهة لا تحاسب، بل هم من يحاسبونا، إن قصرنا بعبادتهم، فإن أراد المسؤولون "فشّ خلقهم" كلّ ما عليهم أن يقوموا به، أن ينتقموا من مواطنيهم، وإن أرادوا التسلية فهي كبسة زر، يضغطون عليها وتنطلق الصواريخ من هنا وتدوي أصوات الاشتباكات والرصاص هناك، وهكذا دواليك، إله وآلهة بشرية، تتسلى بنّا نحن الشعب البريئ.
إذًا وبعد كلّ هذا الكلام، أصبح واضحًا أننا نتحدث هنا عن أسوء ما أنجبته الطبقة السياسية على مرّ التاريخ، ساسة لم يشبعوا بسرقة مقدرات اللبنانين وخزينة دولتهم، بل عمدوا إلى إذلالهم واستغلالهم بل وقتلهم أيضًا. ساسة مجرمون، امتهنوا هذا الإجرام، وتفننوا به، فأصبح الإجرام لهم عادة ولن ينالوا إلا منّا قتلاً وحرماناً.