لم يكن بمقدور وزير الخارجية الفرنسية لودريان ان يأتي إلى بيروت، ليقول في اخر زيارته انه تحدث مع المسؤولين اللبنانيين بإمكانية تشكيل حكومة مهمة، وبمعالجة المشكلات التي تعترض تشكيلها. فلو فعل لودريان ذلك، لكان عرض كل الدبلوماسية الفرنسية للظهور بصورة انها مجرد "لاعب سيرك هزلي"؛ ولذلك وضع لودريان لزيارته عنوانا يظهر جدية باريس في حزمها الدبلوماسي وهيبتها بوجه منع تحول صورتها السياسية الى ألعوبة بيد السياسيين اللبنانيين. ومن هنا فإن لودريان تجنب ان يتم استغراقه خلال لقاءاته الرسمية اللبنانية القليلة، في لعبة استنزاف المبادرة الفرنسية بأسباب الخلافات اللبنانية، بل جعل مهمته في هذه اللقاءات، تكاد تقتصر على وضع "بطاقة العقوبات الفرنسية" على الطاولة، وذلك كتعبير عن ان باريس استنفدت كل فترة السماح التي اعطتها للسياسيين اللبنانيين، وان زيارة لودريان جاءت لتقول "كفى" وفرنسا "ستعاقب" من عطل مبادرتها.
التقى لودريان بالرئيس عون الذي أعاد على مسامع ضيفه الفرنسي معزوفة القصة الدستورية التي تمنع تشكيل الحكومة. وخرج لودريان من عند الرئيس عون من دون إعلان اي تصريح. والرسالة التي أراد لودريان إطلاقها عبر صمته بعد لقائه عون، هو انه غاضب وان زمن الكلام انتهى والآن من سيتكلم بإسم فرنسا هو أفعالها وهيبة دبلوماسيتها.
ضمن رسالة الغضب الفرنسي، وتبديل سياسة الاستغراق بالكلام والقبول بتسويف الوقت، بسياسة الأفعال، عقد لودريان في قصر الصنوبر اجتماعا لساعتين مع من سماهم القوى التغييرية الشعبية. ومن حيث الشكل، يحمل هذا الاجتماع رسالة فرنسية قوية لكل أحزاب الطبقة السياسية اللبنانية، وتوحي هذه الرسالة بالنقاط الأساسية التالية:
أولا: قصر الصنوبر هذه المرة فتح ابوابه لاستقبال القوى السياسية الشعبية؛ فيما كان قصر الصنوبر استضاف ممثلي الاحزاب السياسية لإطلاق مبادرة ماكرون لحل أزمة لبنان. إذن باريس تقول انها ستبدأ بدعم "نوع من ربيع عربي" في لبنان، وذلك لإسقاط الطبقة السياسية التي خانت وعودها لماكرون في اجتماع قصر الصنوبر. ولكن باريس تتحدث عن "ربيع عربي لبناني" يتم تنفيذه بواسطة الانتخابات النيابية، وبدعم مشاركة قوى الحراك الشعبي بالانتخابات.
ثانيا: قد يصبح شعار المبادرة الفرنسية في المرحلة التالية هو رفض فرنسا لأي تأخير للانتخابات في لبنان، وسعي فرنسا لحشد دعم اوروبي ومشاركة أوروبية لعقوباتها على سياسيين لبنانيين، إضافة لتشجيع باريس لقوى معارضة ١٧ تشرين على التوحد والذهاب ضمن جبهة سياسية واحدة لخوض الانتخابات النيابية.
باختصار لودريان بات قريب جدا من رفع يافطة "كلن يعني كلن" وبات قريبا من السير مع تظاهرات الحراك الشعبي اللبناني، والتحريض على ممارسة اسلوب اشعال "الاطارات السياسية" لقطع "الطرقات الجوية" التي تربط لبنان بدول أوروبا، وذلك بوجه أكثر من خمسين بالمئة من شخصيات الطبقة السياسية اللبنانية.