كتب عوني الكعكي:
افتتاح جامع محمد بساتنة، كان حدثاً كبيراً في تاريخ لبنان، خصوصا وأن كلام سماحة المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان جاء في الوقت المناسب ولو متأخراً…
الموقع الذي اختاره أبناء المغفور له السيد محمد بساتنة لإقامة المسجد كان موقعاً استراتيجياً إذ أنه جاء مكملاً للمنطقة العزيزة على قلوب أبناء بيروت، أما الشكل الهندسي فكان أكثر من رائع خصوصا وأن اولاد المغفور له السيد محمد بساتنة منهم مهندسون استعانوا بأهم مهندس فني هو المهندس نبيل الدادا.
بالعودة الى الحدث الكبير الذي حصل، لا بد من التوقف عند كلمة سماحته التي تعبر عن ألم كبير في قلبه إذ أنها المرة الأولى التي يتوجه بها ناصحاً ومحذراً فخامة الرئيس، والأهم مُذَكّراً فخامته بأن موقع رئاسة الحكومة مثله مثل باقي الرئاسات وان التعرض لهذا الموقع لا يمكن السكوت عنه.
من ناحية ثانية نصح سماحته فخامة الرئيس وذكّره بأن العهد عهده وأنه في آخر هذا العهد قد تكون هناك فضيحة إذا لم ينفذ ما وعد به وإلا فالذهاب الى قعر جهنم ونسي ان يقول له أننا قطعنا مساحة متقدمة من القعر.
المفتي دريان كان افتتح مسجد محمد البساتنة في مستديرة شاتيلا – بيروت الذي بناه أبناء المرحوم على نفقتهم الخاصة صدقة جارية عن روح والدهم، بدعوة من المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، في حضور رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والرئيس المكلف نجيب ميقاتي ووزراء ونواب حاليين وسابقين والعديد من الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية والتربوية والعسكرية والاعلامية ورجال الأعمال وأعضاء المجلس الشرعي ومحافظين ورؤساء بلديات ومخاتير، وألقى خطبة أطلق فيها مواقف من الملف الحكومي ومسار التحقيقات في قضية انفجار المرفأ، معلنا «ان التصويب على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أمرٌ مرفوض وغريب عن أصول التعامل مع رئاسة الحكومة. ناصحا الرئيس ميشال عون: «حاول أن تنقذ ما تبقّى من عهدك، وإلا فنحن ذاهبون إلى الأسوأ وإلى أبعد من جهنّم إلى قعر جهنّم كما بشّرتنا».
وقال: «اليوم مازلنا نبني المساجد ولله الحمد. ونشارك بإيجاب في المحافظة على الوطن واستقراره، ولا نشارك في خلق الاضرابات، او نوقع الضرر بالاستقرار، ولا بمقتضيات العيش المشترك الحرصاء عليه، ومع هذا، فإن مناخ الإحباط السائد في البلد، سببه عدم تشكيل حكومة ترعى مصالح الناس حتى الآن، فالوقت الذي هو من عمر اللبنانيين، يضيع بين مشاورات ولقاءات، فيها الكثير من التعنت والتصلب ومحاولة إلغاء الآخر، والوطن على شفا جرف هاو، وهم لايزالون يبحثون عن مكتسباتهم التي لا قيمة لها اذا خسرنا الوطن.
أضاف: «التخبط السياسي والاجتماعي والمعيشي الذي نعيشه مؤلم، وأوجع كل الناس، وأرهق كاهل المواطن الذي يعاني الأمرين وهو صابر، ونخشى بعد هذا الوقت الطويل أن ينفد صبر اللبنانيين، ونقع جميعا في أتون الفوضى الشاملة، التي بدأنا نرى مظاهرها في شتى المجالات، ولا نرضى أن نكون شهود زور على ما يحصل في بلدنا، فالأمر يحتاج الى معالجة جدية وفورية، والترقيع لا ينفع، فما جرى من انفجار مرفأ بيروت، وانفجار صهريج المازوت في عكار، والاشتباكات المتنقلة في بعض المناطق اللبنانية سببها هذا الترقيع، فلنقلع عما نحن فيه من تخبط، وإلا فإنا ذاهبون فعلا الى الأسوأ والى الانهيار الشامل».
واستطرد قائلا: «اتوجه بنصيحة الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، حاول أن تنقذ ما تبقّى من عهدك، وإلا فنحن ذاهبون إلى الأسوأ وإلى أبعد من جهنّم إلى قعر جهنّم كما بشّرتنا».
وقال :»ان موقع رئاسة الحكومة لا يقل أهمية وقدرا عن أي موقع رئاسي آخر في لبنان، فاحترامه واجب، ونحن حرصاء على أن يبقى هذا الموقع مصانا، حفاظا على التوازن بين مواقع الرئاسات الثلاث. والتصويب على رئيس حكومة تصريف الأعمال، الدكتور حسان ديان، أمر مستهجن، وغريب عن أصول التعامل والتخاطب مع رئاسة الحكومة. وإن الإصرار على هذا النهج من قبل البعض في السلطة القضائية – التي لا نتدخل في عملها – ، يسيء إلى أصول مفهوم التعامل مع الرئاسة الثالثة، في قضية انفجار مرفأ بيروت، فلترفع كل الحصانات بإصدار قانون من المجلس النيابي بهذا الخصوص، ولتأخذ العدالة مجراها أصولا على الجميع بعيدا عن الانتقائية والاستنسابية والكيدية».
وتابع: «علينا أن نترفع عن الترهات التي ترافق كل تكليف ، كما ترافق تكليف الرئيس نجيب ميقاتي ، الذي جاء بناء لرغبة النواب الذين سموه، وبتزكية من رؤساء الحكومة السابقين، ومباركة من دار الفتوى، التي لا تميز بين أبنائها ، بل هي ترجو الخير للجميع ، نحن في بلد التعايش الإسلامي المسيحي، نرفض أن نميز بين لبناني وآخر، وما يحكى اليوم عن أن المسلم يسمي المسلم، والمسيحي يسمي المسيحي في الحكومة العتيدة، هو أمر خطير ومفرق، وينبغي تداركه، ولا نرضى أن تقاس الأمور هكذا، وكأننا نعيش في جزر داخل جزر، لا في دولة واحدة ، ومعاييرنا وطنية بامتياز، وليست معايير طائفية».
ودعا دريان الى الترفع «عن هذا المنطق الأعوج، ولننظر بمنظار الحكمة التي تؤيد هذا المنطق ، وإلا فسوف يمزق الوطن أكثر مما هو ممزق، خصوصا وأن شبابه ومثقفيه، أمل المستقبل، يهاجرون، فمهلا يا شباب لبنان، وطنكم بحاجة إليكم، وأنتم مطالبون بالوقوف إلى جانبه في محنته، والأوطان في الأزمات، لا ينقذها ولا ينهض بها إلا شبابها، وكذلك شيبها، فإذا هاجرتم اتسعت رقعة الفراغ التي سيستغلها المتربصون بالوطن، والمستغلون ضعفه في أزماته، فماذا أنتم فاعلون؟».
أضاف المفتي دريان: «المحنة طاولت الجميع، فهل نترك جميعنا الوطن؟ أم نتشبث في أرضنا ونصبر، ونعمل على تذليل كل الصعاب التي تواجهنا؟ كلنا يعلم مدى الإذلال الذي يعانيه شعبنا اليوم، لتأمين لقمة عيشه ودوائه ومحروقاته، فهو حتما نتيجة سياسات الدولة الضعيفة والخاطئة، التي قصرت في أداء دورها للقيام بما هو مطلوب، ومعالجة ما استجد بالطرق العلمية التي تعتمدها دول كنا قديما نسبقها، فإذا هي اليوم في مصاف الدول المتقدمة».
أخيراً نهنىء جميع المسلمين بهذا الانجاز الحضاري ونتمنى ان يكون هناك الكثير مثل اولاد البساتنة وعلى رأسهم السيد بهاء والسيد وليد والسيد رياض والمهندس اديب.