– خاص الهديل –
منذ فترة طويلة نسبياً، كان متوقعاً أن تصل العلاقة بين لبنان ودول الخليج العربي إلى ما وصلت إليه اليوم. فخلال الفترة الأخيرة، كانت الرياض أرسلت أقوى الرسائل إلى لبنان التي تفيد بأن كم المشاكل الخطرة والعدائية التي يصدرها لبنان إلى السعودية، لم يعد يحتمل، وأصبح هناك بحاجة لحل جذري لهذه المشاكل، وليس حلاً بأسلوب الترقيع. والواقع أن مشكلة تدخل حزب الله في اليمن، لم تعد مؤخراً هي المشكلة الوحيدة بين السعودية ولبنان، بل أضيفت إليها مشكلة أخرى لا تقل خطورة في إنعكاساتها السلبية على الأمن الإجتماعي السعودي، وهي مشكلة تصدير المخدرات من لبنان إلى السعودية.
.. كما أن الكويت أثارت خلال العام الماضي مشكلة خلية حزب الله في الكويت، وآنذاك حاول الكويتيون إحتواء المشكلة بروح أخوية، وتكلمت بصوت دبلوماسي هادئ مع لبنان بغية الحفاظ على العلاقات الأخوية بين البلدين. ولكن في الكويت كان هناك صدمة من واقع أن لبنان يقابل نواياها الطيبة، بنوايا تخريبية من قبل طرف لبناني ممثل في الحكومة وفي البرلمان اللبناني، وبمقابل ذلك فإن أحداً في لبنان لا يرفع صوته، ولا يفعل شيئاً لحماية الأخوة اللبنانية الكويتية..
ويبدو واضحاً الآن، أن دول الخليج لا تتضامن فقط مع السعودية حيال موقف الأخيرة الراهن من لبنان، بل هي أيضاً تعبر من خلال تضامنها مع الرياض، عن شكواها من ممارسات غير ودية، بل تخريبية، تنطلق من لبنان ضدها.
.. وإلى الإمارات، كانت دولة الإمارات أيضاً بينت بالوقائع لبيروت، كيف أن هناك خلايا منقادة من حزب الله تعمل داخل الإمارات ضد الأمن الإماراتي. ومارست أبوظبي سياسة ضبط النفس تجاه هذه الممارسات، واكتفت بإجراءات الدفاع الأمني عن نفسها من قبيل توقيف عناصر هذه الخلايا.
والواقع أن الجديد في سياق كل هذا المسار من عمليات تصدير الضرر المنطلق من لبنان باتجاه أشقائه الخليجيين، هو أن هذه الدول باتت مضطرة وراغبة في نفس الوقت، للتقدم خطوة عملية نحو مواجهة ما يصيبها من ضرر مصدره لبنان. وتقود الرياض حالياً هذا النهج في التعاطي مع لبنان، والهدف ليس إيذاء لبنان، بل إفهامه للمرة الأخيرة، بأن عليه أن يكون مسؤولاً تجاه أمن أشقائه العرب، بمثلما أن العرب، وبخاصة الخليجيين، مارسوا سياسة مسؤولة طوال الفترة الماضية تجاه مساعدة لبنان في أزماته.
إن الخليجيين يطلبون من لبنان أن يكون دولة مسؤولة وراشدة، وأن ينفذ اللبنانيون واجباتهم تجاه أخوتهم العرب، حتى يستحقوا الحصول على واجبات العرب نحوهم.
وصار واضحاً الآن، أن نهج التساهل العربي مع لبنان، لم يعد مفتوحاً، وأن اللغة اللبنانية السابقة التي تداوم على إعطاء العرب من طرف اللسان حلاوة غير مقرونة بالأفعال، لم تعد تكفي، وصار مطلوباً أن يترجم اللبنانيون أقوالهم الحسنة بأعمال صالحة تجاه أشقائهم في الخليج..
وهناك عدة مقولات لبنانية لم يعد العرب يريدون سماعها من شقيقهم اللبناني، وأبرزها القول أن ممارسات حزب الله ضد أمن الخليج القومي والإجتماعي، لا تعبر عن سياسة الدولة اللبنانية. وإذا كان لهذه المقولة في الماضي، صدىً مسموعاً في الخليج، فإن ذلك لم يعد قائما، خاصةً بعد أن أصبح حزب الله يمثل دينامية الدولة في لبنان، وبعد أن أصبح قصر بعبدا متداخلاً سياسياً مع حارة حريك، وبعد أن أصبحت سكك تهريب المخدرات تمر بواسطة سيارات مكشوفة عبر بوابات الحدود البرية للبنان، التي هي ذاتها (أي هذه البوابات الحدودية) التي تدخل منها صهاريج المازوت الإيراني غير المرخص من الدولة اللبنانية إلى لبنان.
.. ما يريده العرب الخليجيون من لبنان هو أضعف الإيمان، ومفاده وقف الإعتداء عليهم إنطلاقا من لبنان؛ ودون رؤية هذا الأمر يتحقق عمليا، فإن العرب ذاهبون مع الوقت إلى تطبيق سياسة عزل لبنان ومقاطعته كأسلوب لا بد منه، ليس لمعاقبة بلد الأرز، بل للدفاع عن أمنهم الوطني والقومي والإجتماعي.
والسؤال حاليا، هو هل يملك لبنان القدرة على طمأنة العرب والخليجيين، وهل تملك الدولة في لبنان الرغبة أو لا، ومن ثم القدرة على منع تحول بلد الارز إلى منصة إيذاء وللخليج ولكل العرب؟!.
.. أقله خلال عهد الرئيس عون، لا توجد إمكانية لأن يصحح لبنان علاقته بدول الخليج، وذلك من خلال وقف تصدير المتاعب إنطلاقاً من لبنان إلى هذه الدول. وهذا يعني أن أفق أزمة لبنان العربية مستمر، إلى ما بعد خروج عون من قصر بعبدا. وهذا يعني أيضاً أن العهد العوني الذي بدأ مشكلة للبنان، وتحول الى مشكلة للبنان في الفضاء الدولي، قد تحول الآن أيضاً إلى مشكلة للبنان مع محيطه العربي.
.. وأقله أيضاً فإن ازمة لبنان العربية لن تجد حلاً لها طالما أن القرار اللبناني ليس سيادياً بالمعنى الحيادي بالحد الأدنى، ذلك أن العرب لا يريدون من لبنان أن يقاتل بسيفهم؛ بل ما يريدونه هو أن لا يصبح لبنان سيفاً يقاتل به الإيراني وغير الإيراني، العرب.
هذه هي آخر رسالة من العرب للبنان، والسؤال الجديّ الآن هو هل وصلت رسالة العرب الأخيرة هذه، إلى لبنان، والمقصود هنا لبنان الشعب والحكومة والدولة!؟.