– خاص الهديل –
آخر إطلالة لوليد جنبلاط منذ أيام، لا تشبه إطلالاته السابقة قبل حركة ١٧ تشرين ٢٠١٩ في لبنان. فخلال هذه الإطلالة الأخيرة، أخرج وليد جنبلاط من "خزانة ألقاب المختارة" الكثيرة، لقب "الرفيق جنبلاط" ووضعه قيد الاستخدام الخاص به في هذه المرحلة.
ببساطة فإن ظروف هذه المرحلة، توجب على المختارة أن تبرز الجانب الإصلاحي في تاريخها كي تستطيع إحتواء حالة التغيير التي تسود أوساط الجيل الجديد بين الدروز .
ويريد جنبلاط في هذه المرحلة القول للبيئة الشابة والجديدة الدرزية: "لا تبحثوا خارج المختارة عن عنوان التغيير والإصلاح، لأنه يوجد فرع في المختارة لهذا النوع من المهمات."
وبالفعل يستطيع وليد بك في هذه المرحلة إستحضار شخصية كمال جنبلاط حينما كان رئيساً للحركة الوطنية اللبنانية. وحينها طرح الرفيق كما بك جنبلاط "البرنامج الإصلاحي المرحلي" الذي لم يطبق والذي ناضلت الحركة الوطنية تحت شعاره طوال عشرين عاماً.
وكان وليد جنبلاط، حينما استلم زعامة المختارة، لا يزال يتظلل بمظلة الرفيق وليد نجل الرفيق كمال جنبلاط المؤيد ليس فقط من الدروز، بل من الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية. لكن بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان قرر وليد جنبلاط "حل" الحركة الوطنية، وقرر الانتقال من دور "الرفيق وليد جنبلاط" مع بدء مرحلة جمهورية الطائف، إلى دور "وليد بك " الزعيم الدرزي ذي السحنة الإقطاعية.
عارفو وليد جنبلاط القاطن في "ذاكرة المختارة" وليس فقط في مبناها، يعرفون حق المعرفة أن أبرز صفة في جنبلاط هو إستشعاره المتغيرات، وممارسة واقعية سياسية مفرطة في التكيف معها. ويقول هؤلاء أنه مثلما هناك في لبنان مصطلح إسمه "طابق المر"، هناك في السياسة اللبنانية مصطلح شهير إسمه "كوع جنبلاط" أو "مفرق جنبلاط"، المقصود هنا "مفرق الطريق" الذي يغير الاتجاه. فمواقف جنبلاط هي على أهبة الإستعداد الدائم لتقوم في اللحظة المناسبة بتغيير اتجاهها. وعندما يفعل جنبلاط ذلك، فإن اللبنانيين لا يتفاجأون ولا يستهجنون، بل يقولون بصوت واحد: "كوع جنبلاط"، أي أنه على عادته غير اتجاه سياساته بشكل حاد نظراً لوجود متغيرات دولية أو إقليمية أو داخلية حادة طرأت أو هي قيد التبلور.
و حاليا يرتدي جنبلاط ثياب "الرفيق جنبلاط"، ويخلع عنه عباءة وليد بك التي كان إرتداها بعد إعلان جمهورية الطائف، نظراً لكون هذه الجمهورية جاءت لتنقل البلد من "عهد أحزاب أمراء المليشيات" إلى "عهد زعماء الأحزاب" التي كانت خلال الحرب لديها ميليشيات.
واليوم الرفيق وليد يستعيد الجزء الإصلاحي والتغييري من تاريخ المختارة، وهدفه من ذلك هو التموضع داخل مربع يظهر فيه أنه إصلاحي للنظام القائم، وليس جزء من النظام القائم أو لم يعد جزءاً من النظام القائم وأنه أصبح "الرفيق وليد" المتفهم لمطالب جيل ١٧ تشرين التغييري، وليس "وليد بك" ذا السحنة الإقطاعية.
لقد نجح "وليد بك" أو "الرفيق جنبلاط" حالياً بأن يجمع حوله بسهولة كل من وئام وهاب وطلال أرسلان، وذلك في دارة خلدة الإرسلانية، وأعلن الرفيق وليد من هناك بما يوحي بأن المختارة ليست إقطاعية بل هي مع التنوع داخل الساحة الدرزية وتمد يدها لخلدة والجاهلية من أجل حماية المجتمع الدرزي.
وفي هذه الخطوة، يبدو جنبلاط كعادته ذكياً في إدارة اللعبة الداخلية الدرزية، إذ أنه عبر خطوة إجتماع خلدة كان يريد القول للمجتمع الدرزي أن الساحة الدرزية فيها تنوع، وهو محصور بالجنبلاطية والإرسلانية وأقبل بأن ينضم إلينا ضيف جديد هو وئام وهاب. لكن خارج هذه القوى الثلاثة لا يوجد قوة درزية رابعة، وتحديداً يقصد جنبلاط عدم الإعتراف بقوة كامنة وحقيقية في معارضتها وقد تظهر في أية لحظة، والمقصود هنا حراك ١٧ تشرين داخل البيئة الدرزية.
وقبل أيام قال جنبلاط بمناسبة حزبية أن حراك ١٧ تشرين فشل، وأن هذا الحراك يتلقى أموال من السفارات التي لا تقدم للحزب الإشتراكي بالمقابل أموالاً كي يساعد الناس في أزمتها.
باختصار ، "الرفيق جنبلاط" خائف من حراك ١٧ تشرين رغم كل التراجع الذي يشهده هذا الحراك. وعليه فإن جنبلاط يقود إنتخابات الحفاظ على زعامة المختارة وسط مناخ سياسي يتسم بأنه يحمل مفاجآت المتغيرات الكبرى. واليافطة التي يحملها جنبلاط في هذه المرحلة تقول: "أنا الإصلاحي" وتقول أيضاً أن حراك ١٧ تشرين في لبنان وداخل الساحة الدرزية فشل، وهذا الحراك ليس أكثر من اتباع لسفارات !
لعل جنبلاط هو من أكثر سياسيي لبنان ثقافة واطلاعاً، ومناسبة إطلاق هذه الصفة عليه تعود إلى طريقة تفكيره في السياسة. حيث يلاحظ اليوم مثلاً، أنه في عز إهتمام كل شخصيات أحزاب لبنان بسجالات آنية، فإن جنبلاط ينظر إلى حيث يوجد المكان العميق للتحولات، وليس ظاهرها. لذلك يصوب جنبلاط في هذه اللحظة على حراك ١٧ تشرين، لأنه يعرف أن هذا الحراك هو قوة المستقبل الكامنة، وهو الحصان الذي سيغير به الخارج والداخل الواقع السياسي في لبنان، إذا كان فعلا هناك تغيير في البلد.