– خاص الهديل –
خطة بايدن:
جر بوتين للمصيدة الأوكرانية !!
بعد فترة قصيرة من دخوله البيت الأبيض، وصف الرئيس الأميركي بايدن بوتين بأنه قاتل..
ولم تكن هذه العبارة زلة لسان منه، بقدر ما أنها كانت تعبر عن أجندة يريد بايدن تحقيقها خلال عهده،
وهي في جانب من أهدافها ترمي إلى التخلص من كل الزعماء الذين شكلوا إمتداداً عالمياً لترامب، إبتداءً من نتنياهو مروراً بزعماء آخرين في عدة مناطق من العالم، وصولاً إلى بوتين الذي يتهمه الديموقراطيون الأميركيون بأنه تدخل في الإنتخابات الأميركية ما قبل الأخيرة، لصالح ترامب.
لقد نجح بايدن حتّى الآن في إخراج نتنياهو من الحكم في إسرائيل، رغم أن الأخير كان قد أطبق بكل قوة على مقاليد الحكم في إسرائيل لسنوات طويلة، ورغم أنه كان له سطوة على الحياة السياسية الإسرائيلية تشبه لحد ما سطوة بوتين على الحياة السياسية في روسيا.
وهناك من يرى اليوم أن بايدن يفتح دفتر حسابه مع بوتين الذي يعتبره في واحدة من زوايا صراعه معه أنه إمتداد عالمي لمرحلة ترامب داخل أميركا. فترامب خلال عهده الرئاسي قلب أولوية أوباما المتحالف مع بايدن، فبدل أن تكون روسيا في صدارة إهتمامه لتطويق نفوذها، جعل إيران هي هدفه الأول. ما قاده إلى فك الإتفاق النووي معها، وفرض عليها عقوبات الحد الأقصى، وبنى حالة عدم صدام مع صديقه بوتين. وما يفعله بايدن اليوم هو عكس وضد ما فعله ترامب تماماً. حيث أن بايدن يعود للإتفاق مع إيران، فيما يحدد بوتين كهدف أول يصوب عليه، إلى جانب الصين.
ليس صحيحاً أن بايدن يواجه ازمة أوكرانيا من دون خطة مسبقة؛ وليس صحيحاً أن بايدن يعاني من ضعف تجاه بلورة رد على غزو بوتين لأوكرانيا؛ ولكن ما يحدث حالياً هو أن بايدن يفسح الطريق أمام بوتين لدخول المصيدة الأوكرانية ليحقق بذلك عدة أهداف إستراتيجية في وقت واحد.
● ما هي خطة بايدن الأوكرانية؟
تقوم خطة بايدن بحسب ما يظهره سلوكه بالتعامل مع الأزمة الأوكرانية على خمسة قواعد:
• القاعدة الأولى:
هي تشويه صورة بوتين أولاً، وخاصة في داخل ما يسمى بالفضاء الأوراسي الذي يشكل الحديقة الخلفية لروسيا، وهدفه من ذلك حصار نموذج بوتين في مرحلة أولى داخل روسيا وتحميله مسؤولية إندلاع حرب أهلية أرثوذكسية في الفضاء الأوراسي الأرثوذكسي بغالبته، والذي يتميز بأن ديموغرافيته الأوراسية مختلطة، وذلك لجهة أن نسبة كبيرة من عائلاتها تتكون من حالات زواج بين روس وأوكران أو بيلاروسيا، إلخ…
وعليه، فإن الحرب بين روسيا وأوكرانيا هي حرب أهلية، وتسعى أميركا لتحميل بوتين مسؤولية إندلاعها.
إذن، ما يسعى إليه بايدن هو إشعال حرب أهلية في فضاء روسيا الأوراسي الأرثوذكسي بغية تحطيم فكرة بوتين الهادفة لإعادة بناء الحلف الأوراسي الذي يعيد وصل ما إنقطع بين جمهوريات الإتحاد السوفياتي الأوراسية القديمة مع موسكو.
• القاعدة الثانية:
ترمي إلى تحويل أوكرانيا بالنسبة لبوتين، إلى أفغانستان بالنسبة للإتحاد السوفياتي.
ومن وجهة نظر واشنطن، فإن الكلفة الباهظة التي دفعها الإتحاد السوفياتي نتيجة إحتلاله لأفغانستان – ونتيجة نجاح أميركا ومعها حلفائها بتقديم دعم مالي وسياسي وتسليحي سخيّ لمقاومة أفغانستان للروس – شكلت أحد الأسباب المهمة التي قادت لإنهيار الإتحاد السوفياتي. واليوم يرى بايدن أن نشوء مقاومة ضارية وطويلة المدى ومدعومة تسليحياً ومالياً بسخاء من أميركا وكل حلفائها، ستؤدي إلى أن تدفع روسيا تكلفة بشرية وإقتصادية كبيرة نتيجة إحتلالها لأوكرانيا، وهذا سيؤدي إلى إسقاط البوتينية داخل روسيا، تماماً كما أن كلفة إحتلال أفغانستان أسقطت هياكل الإتحاد السوفياتي لروسيا.
• القاعدة الثالثة:
الأولوية لمصيدة بايدن.. هي أن تترك بوتين يطمئن إلى أن لديه إمكانية لأن تحتل قواته أوكرانيا من دون أي تدخل خارجي، لأن أوكرانيا ليست ضمن حلف الناتو، وبالتالي لايستطيع الحلف التدخل للدفاع عنها. ولكنه يستطيع دعم مقاومة شعبها ودعم حكومتها الشرعية. وفي هذا الوقت، يستغل بايدن تعالي أصوات ضجيج السلاح الروسي في أوكرانيا ليجري تحت ستارته نشر قواته وقوات الناتو في دول أوروبا الشرقية التي تقع في جوار أوكرانيا.
بمعنى آخر، فإنه فيما بوتين يحتل أوكرانيا مع إحتمال تعرضه لمقاومة تستنزفه داخلياً ودولياً، فإن واشنطن تعيد نشر قواتها في شرق أوروبا بشكل كثيف من دون أن تُتهم بأنها تغزو أوروبا الشرقية بل تحميها من بوتين.
• القاعدة الرابعة:
هي تحويل روسيا بعد إحتلالها أوكرانيا إلى عزلة دولية شبه شاملة. والهدف من ذلك، هو جعل بوتين يجلس في الكرملين ليقود بلداً يشبه من حيث حجم الحصار وعزلته كوريا الشمالية.
• القاعدة الخامسة:
لقد تقصد بايدن التدرج في فرض العقوبات على روسيا، ذلك أنه إذا فرضها مرة واحدة، سوف يجد نفسه أنه لم يتبق له خيارات لإتخاذها بمواجهة بوتين سوى الخيار العسكري، وهذا ما لا تريده أميركا.
كما إن فرض العقوبات دفعة واحدة لن يضر فقط روسيا، بل أوروبا أيضاً وخاصة ألمانيا.
● بإختصار..
فإن بايدن يسعى لخمسة أهداف:
▪︎جر بوتين لمواجهة مقاومة طويلة الأمد في أوكرانيا، ما يحرق صورة بوتين على مستوى فضاء روسيا الأوراسي وما يؤدي لحرب أهلية قد تمتد للداخل الروسي، أو قد تؤدي أقله إلى تراجع شعبية بوتين وسقوطه من الحكم، خاصة وأن بايدن سيتدرج بفرض عقوبات متدحرجة على روسيا، وذلك على وقع زيادة حدة المقاومة الأوكرانية.
▪︎والهدف النهائي هو إخراج بوتين من الكرملين، وحتّى ذلك إشغال روسيا بحريقها الداخلي، وإبعاد تأثيراتها على مشهد حرب أميركا السياسية والاقتصادية القادمة مع الصين.