-خاص الهديل –
لم تفرز الانتخابات النيابية سوى نتيجة سياسية جديدة واحدة، وهي دخول نحو دزينة من النواب التغييريين الجدد إلى مجلس النواب.
وبعيدا عن الشعارات، وبواقعية باردة، يمكن الجزم ان شرعية الاحزاب الشعبية لا تزال ناقصة، وذلك رغم ما نالته من أصوات كبيرة ، بينما الشرعية الشعبية للنواب التغييريين مكتملة، وذلك رغم ما نالته من أصوات فليلة..
والسبب في ذلك، هو ان كل الذين لم يقترعوا في الانتخابات، يمكن وضعهم بشكل أو بأخر، في خانة تيار او مناخ التغيير، وأنهم جزء صامت من اجتماع الاعتراض في لبنان ، وذلك بشقيه: الاعتراض الذي اقترع، و الاعتراض الذي أحجم عن الاقتراع .
وصار واضحا بعد مرور ساعات على اعلان نتائج الانتخابات ان الأحزاب المتهمة بأنها تسببت بالازمة؛ تريد القول انها استعادت شرعيتها الشعبية من خلال الانتخابات، وانه على الرأي العام أن يتعامل معها كقوى سياسية نالت براءة ذمة مما أصاب لبنان من انهيار و جرائم كان بينها وفي طليعتها جريمة تفجير مرفأ بيروت.
غير أن واقع الحال يقول أن أحزاب السلطة، رغم فوزها بالانتخابات، إلا أنها لا تزال متهمة قانونيا، ولن تنال براءة ذمة قبل أن تجري عملية مساءلتها من قبل قضاء شفاف.
زد على ذلك أن الانتخابات شابها أكبر موجة من شراء الذمم بشكل مباشر أو غير مباشر .. وحصل ذلك بمقابل ان التغيريين وحدهم حصلوا على أصواتهم من غير مقابل مادي او رشى انتخابية.
ان المشكلة التي ستواجه المرحلة المقبلة هو ان احزاب السلطة تريد العودة الى لعبة التسويات بينها والمحاصصات ، وتريد القول ان هذا حقها الدستوري كون الشعب انتخبها. وبالمقابل فان الشعب، وحتى بينه الذين انتخبوا نواب الاحزاب ، يعرفون ويدركون ان احزابهم فاسدة ، وعليه بات صعبا على الاحزاب استعادة الثقة بها كقوى تحكم وتقوم بالاصلاح ولا تمارس الفساد .
وبخصوص هذه النقطة ، يتضح أكثر من خلال تجربة انتخابات ١٥ ايار ، ان الطوائف في لبنان تنتخب على اساس انها طوائف وليس على اساس انها شعب، وتنتخب على اساس ان الانتخابات شيئ والحياة السياسية وهموم الدولة والوطن شيئ اخر.. وضمن هذه المعايير فان الانتخابات في لبنان هي علاقة مقفلة بين الاحزاب وطوائفها، وليس علاقة بين المواطن ومستقبله في دولته.. بل غالبا ما يكون السؤال خلال الانتخابات عن علاقة الطائفة مع مستقبلها …
والواقع أن ثلاثة أرباع الازمة الراهنة هي عدم الثقة : عدم ثقة الناس بأن أحزاب الطبقة السياسية شفافة ولانها ستمارس المحاصصة والسرقة مرة ثانية . وعدم ثقة المواطن بالمصارف ، وعدم ثقة الأخيرة بالدولة، وعدم ثقة المجتمع الدولي بان القوى المتنفذة تريد إجراء إصلاحات.
ومن هنا فإن اهم ركن في بناء حل الأزمة هو إعادة ترميم عامل الثقة ، وأكبر عقبة امام ترميم الثقة بالحل الاقتصادي والسياسي هو ادعاء الاحزاب بأنها هي نفسها التي خربت ستقوم بالإصلاح . .
لن يكون ممكنا إيجاد تسوية لترميم الثقة بالأحزاب، إلا بعد خضوع رموزها للمساءلة القانونية ، فالانتخابات في لبنان لاتكفي لاعطاء رموزها براءة ذمة قانونية وقضائية وأخلاقية كما ارتكبوه على مدى عقدين من الزمن …
الثقة هي مدخل الحل ، والأحزاب لا تزال خارج شرعية الثقة الداخلية والدولية بهم وذلك على مستوى انها قوى تريد فعلا ممارسة الإصلاح والبناء وليس المحاصصة .