-خاص الهديل –
تتكشف الستائر بحذر وبروية مدروسة عن اثنين من المعطيات الجديدة، التي تمتاز بانه لا يستهان بمصداقية المصادر التي اوردتها، ولا يمكن إغفال أهمية الفكرة السياسية التي تنطوي عليها .. وهذان المعطيان المرشحان للحدوث بجدية كبيرة ، خلال الفترة القريبة القادمة، هما :
الأمر الأول: تكمن أهميته بالمعنى السياسي المعطى هذه المرة لاسم رئيس الحكومة العتيدة التي يتخلف حكومة ميقاتي.. فصاحب هذا الاسم هو سيدة سنية وازنة يوجد ترحيب كبير بوصولها إلى السرايا الكبير من المحيطين العربي والدولي، كما أن اسمها سوف يخلق حالة رضا داخلي كبير.
وليس مهما في هذه اللحظة المبكرة نسبيا معرفة اسم هذه السيدة المرشحة بقوة لرئاسة الحكومة، بقدر ما هو مهم التركيز على مواصفاتها المحددة بأنها من ناحية ” سيدة سنية “، أي أن اسمها له جذور ومعنى داخل البيئة الوطنية اللبنانية السنية ، وبأنها من ناحية ثانية “سيدة وازنة” ؛ أي أنها ذات ثقل وطني بمعناها السياسي والاجتماعي ، وبأنها من ناحية ثالثة ذات سلوك وطني وشفاف، وسيادي وليس لها أي ارتباط تبعي للخارج ، أي أن مواصفاتها هي من صلب مناخ التغيير الانقاذي في لبنان ..
الأمر الثاني :هو أن لبنان بعد انتخابات ١٥ أيار ليس هو لبنان ما قبل انتخابات ١٥ أيار. واستدراكا ان هذه الحقيقة يجب أن يفهمها الجميع في لبنان ، و ان يتقبلها الجميع في لبنان.
.. صحيح أن توزع خارطة الفوز بالمقاعد النيابية لا يؤشر إلى حدوث انقلاب سياسي رقمي كبير، ولكن اهمية فوز نحو ١٥ نائب مستقل وتغييري، تكمن في انها احدثت انقلاب وعي كبير ، وبكلام أوضح أحدثت صدمة إيجابية للشعب اللبناني الذي تم توجيه ” المدافع الإعلامية” عليه قبيل الانتخابات ، لدفعه للاقتناع بأنه لن يحدث أي تغيير في هذه الانتخابات.
و الآن لم يعد مهما كيف توزع هذا الشعب سياسيا أثناء الانتخابات، اذ ان المهم الان هو أن كل اطياف الشعب تلقت بأمل الرسالة المفاجئة التي اوصلتها له نتائج الانتخابات ، والقائلة : نعم يمكن التغيير ، ونعم يمكن بناء الدولة ، وانقاذ وضعك المعيشي.
ان هذا المعنى الذي أسفرت عنه نتائج انتخابات ١٥ أيار، يقول أيضا أمرا اخرا ايضا غاية في الأهمية ، وهو أن مناخ التفكير الداخلي لدى المواطنين بدأ يتغير ، نتيجة ولادة دينامية لم تتنبه لها الاحزاب والقوى التي لا تريد التغيير .. وهذه الدينامية اشتغلت ببساطة على النحو التالي:
اولا ؛ بدأ ظهورها المؤثر جدا في وطنيته لدى المغتربين اللبنانيين خلال يوم أقتراعهم في بلاد انتشارهم . لقد ارسل المغتربون إلى لبنان المقيم اننا قررنا التغيير من اجلكم ، وعليكم ان تلاقوا مسيرتنا للتغيير في ١٥ ايار في لبنان. وبالفعل انتقلت دينامية التغيير من المغتربات إلى الداخل اللبناني، وعكس نتائج ١٥ أيار وجود هذا التأثير بين حركة الوعي في الاغتراب وانتقالها إلى لبنان.. واليوم هناك ” عدوى” وعي بالتغيير انتقلت من الذين اقترعوا في ١٥ ايار وامنوا كالمغتربين بان صوتهم مؤثر في التغيير ؛ إلى قسم كبير من المواطنين الذين لم يقترعوا لصالح التغيير في انتخابات ١٥ ايار ، لاعتقادهم بأن صوتهم لن يؤثر على النتيجة العامة .
لقد دخل الاجتماع السياسي اللبناني دينامية التغيير، وهنا توجد نقطة هامة صار يجب التنبه اليها بشكل عميق أيضا ، وهي ان هذا المسار الداخلي الذي يطلق عليه مسار وعي وتغيير وانقاذي، هو في الواقع التقي معنويا اقله ، مع مسار خارجي كان بدأ قبل عامين ، وكان بداخله يوجد العرب والغرب ، وبمثلما ان مسار التغيير الداخلي يتحدث عن تغير التفكير والذهنية النمطية غير المنتجة ، فان المسار الخارجي تحدث عن ضرورة ان تتغير نظرة لبنان الى ذاته وان تتغير فيضا نظرة العرب والعالم للبنان وذلك لمصلحة لبنان ولتصيح علاقاته الخارجية اقله مفهومة وليست غامضة .فنظرة لبنان سابقا إلى نفسه كانت تتمثل بأن العالم والعرب يقبل به ” نصف دولة ” ويساعده على هذا الأساس.. اليوم لم يعد احد من العالم الحر وبضمنهم العرب ، يريد التعامل مع لبنان على انه نصف دولة، ولا مع اي مسؤول لبناني يرضى بان يعتبر نفسه نصف مسؤول ، ويرضى بأن لا تكون كل صلاحياته الدستورية هي حقه، وليس لأي جهة داخلية أو خارجية الحق في أن تبتزه او تنتقص منها.
..وفي هذا السياق، تعتبر مصادر مطلعة ان المعنى السياسي ورسالة الأمل التي حملتها نتائج انتخابات ١٥ أيار للواقع اللبناني ، تساعد على أن يصبح الموقف السعودي من لبنان، كما تمظهر منذ الفترة الأخيرة، أكثر قابلية لفهمه من قبل الداخل اللبناني.. فالرياض قبل انتخابات ١٥ أيار قالت إنها تريد للبنان ومن لبنان ، نفس ما قاله الناخب اللبناني التغييري يوم ١٥ أيار، انه يريده للبنان، ويريده من دولته ولدولته، ومن نوابه ومسؤوليه.
كان واضحا منذ فترة ان الرياض لن تتعامل مع اي جهة لبنانية يوجد بحقها تهم او شبهات فساد، واليوم بعد رسالة الامل التي طيرتها انتخابات ١٥ ايار للبنانيين، صار مفهوما داخليا في لبنان لماذا الرياض تتشدد في نقطة عدم التعامل مع اية شخصيات او جهات لديها شبهات فساد ، ولماذا الرياض تتشدد في نقطة انها لن تتعامل مع جهات لديها مشاريع خارج مشروع الدولة في لبنان الذي تعتبر الرياض هو عنوانها الوحيد في بلد الأرز.
ان الرياض ليس لها سياسة سعودية في لبنان بالمعنى التقني، بل لها سياسة عربية من أجل لبنان، ولها سياسة سعودية تدعم الشعب اللبناني من خلال دولته، وحينما يصبح الشعب في ضفة والدولة مخطوفة ومسجونة في ضفة أخرى، فإن الرياض تطلب ما يطلبه الشعب قبل انتخابات ١٥ أيار وبعد انتخابات ١٥ أيار: مكافحة الفساد ، وحصرية سلاح الدولة ، وسيادة لبنان بوجه الجميع ..
وعليه صار سهلا ان يفهم المصرون على انهم محتارون بخصوص ماذا تريد الرياض في لبنان ومن لبنان ، فهؤلاء لو قرأوا بتمعن ماذا قال الاغتراب في صناديق الاقتراع ، ومعنى الرسالة الوطنية التي وصلت من المغترب اللبناني لشقيقه المقيم اللبناني، ولو قرأوا بتمعن ما هي الرسالة التي أوصلها في صندوق اقتراع يوم ١٥ أيار الناخب المواطن في لبنان لكل المجتمع اللبناني ولكل أحزاب لبنان ، لصار اسهل ان يفهم جميع اللبنانيين من أصدقاء المملكة ومن غير أصدقائها ماذا تريد الرياض – ليس فقط باسم العرب- من لبنان ولأجل لبنان : ببساطة تريد نفس المواصفات التي تطرحها دينامية وعي التغيير في لبنان ، وذلك في كل المواضيع من من رئاسة الحكومة والحكومة إلى رئاسة الجمهورية والجمهورية ومن النواب التغييريين الذين هم مطالبون ايضا بالتوحد، ليخوضوا معا معركة تغيير الواقع، بدل ان يغرقوا في مستنقع الواقع الراهن الذي لا السعودية ولا اي دولة اخرى من المجتمع الحر في العالم، يستطيع او يرغب بالتعامل معه .