لم يسلم اللبنانييون من ارتفاع سعر صرف الدولار، والمواد الغذائية، وأزمة المحروقات والكهرباء، ليرافقها أزمة انقطاع المياه، وموسم شحّ وعطش. “الاستحمام”، أبسط متطلبات الحياة، بات حلماً صعب المنال. إذ يعاني الشعب من العاصمة بيروت إلى مختلف المناطق اللبنانية من انقطاع تام للمياه وتكلفة تأمينها باهظة الثمن.
رغم حرّ الصيف الشديد الذي يزيد حاجة الإنسان للمياه ، يعاني المواطنون في بيروت وطرابلس وغيرها من المناطق من انعدام في وصول المياه إلى منازلهم، إذ أشار المواطنون إلى أنه فضلاً عن عدم وصول المياه إليهم ، ما من كهرباء لضخ مياه البئر الارتوازية، وبات الحل الوحيد هو الاتجاه لمشاركة “الاستحمام” لدى بعضهم البعض ، أو شراء غالونات مياه للشرب والاستحمام والتنظيف والاستخدام اليومي. وإذا حسبنا كمية الغالونات التي يحتاجها المواطن يوميا على مدة شهر كامل نجد أن الكلفة توازي الحد الأدنى للأجور وسط الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. حيث أن سعر الغالون الواحد يقارب الخمسة وعشرون ألف ليرة، وإذا توجه المواطن لشراء المياه من “الصهاريج” فهو بحاجة إلى ٥٠٠ الف كحد أدنى لتكفيه المياه على خمسة أيام فقط . وباتت “صهاريج المياه ” تجارة على سعر صرف السوق السوداء.
ففي ضبية ، تجمع المحتجون لرفع الصوت في مصلحة المياه ، إذ أشار أحد سكان المنطقة أن المياه مقطوعة منذ ثلاثة أشهر ويقول ٱخرون انه ثمة خلفيات سياسية وراء أزمة انقطاع المياه هذه ،إلا أن المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان أكدّ أنه “ما من خلفيات سياسية لهذا الملف، وأشار إلى أن المياه مقطوعة منذ خمس وعشرين يوماً بسبب عطل في “الطرنبة” التي تضخ المياه للمباني، وعطل ٱخر في البئر. وبعد اصلاح كلاهما ، ظهر عطل في الخط الرئيسي الذي يغزي كل من بيروت وضبية. وذكر أنه سيتم اصلاح العطل قرابة الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل. و أضاف :” أننا على أزمة مياه كبيرة إذ لم يتم دعم مادة المازوت، ولا حتى الإفراج عن أموالنا لدفع تكاليف المازوت. وأن الوضع العام جبر المؤسسة أن تكون تحت هذه الأزمة، فلا مازوت ولا قطع الصيانة مؤمنة، وهذه الأخيرة بحاجة للمال لتصليحها”.
أما في الشوف حيث ازداد الطلب على المياه، إثر إنتقال الكثير من الأشخاص من سكنهم في العاصمة وجوارها الى المناطق النائية، مما فرض ضغوطا على الموارد التي تعمل أساسا بما يفوق قدراتها. فقال رئيس إتحاد بلديات مزرعة الشوف يحيى ابو كروم “تعاني بلدتنا، مثل بلدات لبنانية كثيرة، من نقص في المياه. بالإضافة الى ذلك، أدت الأعطال العديدة القائمة والتأخر في إنجاز الإصلاحات العاجلة، الى ارتفاع نسبة العجز في ايصال المياه الى المستهلكين، حتى حين تكون لدينا كميات فائضة في خزانات المياه، وذلك بسبب تدني فترات التغذية بالكهرباء العامة، وعدم توافر الوقود لتشغيل مولدات المضخات الخاصة، ما جعل الأزمة تتسّع وتتمدد”.
من الشمال إلى الجنوب الصورة واحدة، فقد انقطع التيار الكهربائي عن النبطية و42 بلدة وقرية في قضائها بحسب ما ذكرته “الوكالة الوطنية للاعلام” ما شكّل “أزمة مماثلة وقاسية على المواطنين، فتعالت صرخات الأهالي في البلدات والقرى وفي أحياء مدينة النبطية من أزمة مياه خانقة، إذ توقفت مصادر ضخ المياه في البلدات بسبب انقطاع الكهرباء وعدم وجود مادة مازوت المولدات الخاصة بها”.
وفي محاولة لحل الأزمة أمّنت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بالتنسيق مع كهرباء لبنان، التغذية لمحطات ضخ مياه الشفة التابعة لمؤسستي مياه لبنان الجنوبي والبقاع عبر خطوط النقل من المحطات المربوطة بالمعامل المائية في أقضية البقاع الغربي والنبطية وبنت جبيل وصور وصيدا، بحسب ما جاء في بيان أكدت كذلك خلاله أن “هذا الإجراء استثنائي ومؤقت إلى حين عودة التغذية بالتيار من كهرباء لبنان”.
لبنان، كل منابع المياه تنطلق من أراضيه، وبلدٌ تزيد قدرته الاقتصادية بمدخول بقيمة ٤ مليارات دولار سنوياً -بحسب الخبراء- لو استثمر بالشكل الصحيح. لبنان، أغنى بلد بالمياه. بل أفقر بلدٍ بالمياه بسبب سياسيين فاسدين سرقوا أموال البلد وافسدوا كل شيء فيه! هذا المشهد ليس بغريب، فهو من سلسلة الذل الذي يعيشها اللبناني في بلده. فمن طوابير البنزين والمازوت ، إلى الخبر ومن ثم “طوابير المياه”.