خاص الهديل:
انتخابات إسرائيل: النتيجة المتوقعة هي الذهاب لانتخابات مبكرة جديدة بعد عدة أشهر!!.
يواصل “الاسرائيليون” اليوم، السير على ذات الطريق الذي مضى لهم على السير فوقه أكثر من خمس سنوات من دون الوصول إلى مخرج منه.. وقوام الأزمة هنا هو أن إسرائيل ذهبت الى أربع دورات انتخابات مبكرة في عضون خمس سنوات فقط، واليوم تعقد ورة انتخابات مبكرة خامسة، ومع ذلك لا يزال الهدف الذي من أجله تعقد هذه الانتخابات المبكرة يتلخص في أمر واحد، هو “بنيامين نتنياهو”، حيث أنه في الدورات الأربع السابقة كان الصراع الانتخابي يدور على عنوان واحد، هو من “مع بقاء نتنياهو في الحكم” ومن “مع خروج نتنياهو من الحكم”؟؟؟؛ أما اليوم فأصبح الصراع في هذه الدورة الانتخابات الخامسة، هو “من مع عودة نتنياهو إلى الحكم”، و”من مع بقاء نتنياهو خارج الحكم”؟؟
إن تمحور عنوان الانتخابات في إسرائيل للمرة الخامسة على التوالي، على شخص نتنياهو جعل العملية الديمقراطية الإسرائيلية تدخل في شبهة متاهة الاقتراب في الشكل والمضمون من عمليات الاقتراع في الدول الشمولية التي يكون عنوان الانتخاب فيها “نعم للزعيم” أو “لا للزعيم”
..ولا يعني ما تقدم أن التجربة الديمقراطية في إسرائيل لا تحافظ على معايير الانتخاب الديموقراطي، ولكن المقصود هنا ان موضوع عملية الانتخاب، وإعادة إنتاج السلطة في إسرائيل، أصبحت تتركز على بقاء شخص بعينه في السلطة (نتنياهو)، أو خروج هذا الشخص ذاته منها، وذلك بدل أن تتركز كما كانت في الماضي على صراع تنافسي بين أحزاب ومعسكرات ايديولوجية، تتمثل باليمين الإصلاحي – أحفاد جابوتنسيكي – مقابل اليسار الصهيوني الاستيطاني – أحفاد بن غوريون..
إن الخلاف المركزي على زعامة نتنياهو في إسرائيل، تحول إلى عامل يساهم في تعميق أزمة عدم القدرة على إعادة تكوين السلطة عن طريق الانتخابات..
ولعل أبرز سبب يقف وراء دخول الديموقراطية الإسرائيلية في أزمة؛ هو تحول المجتمع الاسرائيلي بجملته لحد كبير، الى “كتلة يمنية كبيرة”، حيث تقريباً اختفى التنوع الايديولوجي فوق الديموغرافيا السياسية الإسرائيلية؛ فاليسار الإسرائيلي أصبح يحتل نسبة تكاد تكون غير مرئية داخل توزع القوى في إسرائيل.. وحزب العمل (تكتل المعراخ) الذي كان يقود الاشتراكية الصهيونية الاستيطانية، أصبح حزباً صغيراً بعد ان كان الحزب المركزي في إسرائيل.
..لكن تحول إسرائيل لتيار يميني كبير، لم يحدث تماسكاً ايديولوجياً سياسياً؛ نظراً لكون هذا المسطح اليميني الواسع مشرذم إلى عدة “اخاديد” سياسية ومصلحية وعقائدية، وليس فقط إلى عدة اتجاهات يمينية مختلفة: فهناك “اليمين التقليدي” وهناك “يمين الوسط” وهناك أيضاً “يسار اليمين”، وهناك “اليمين الديني- الحريديم” ، و”اليمين المتطرف”، الخ…
والواقع ان كل اتجاه من هذه الاتجاهات، يشكل جبهة مصالح وتباينات سياسية بمقابل الأخرى..!! والأمر الوحيد الذي يجمع بين هذه الاتجاهات يوم الانتخابات هو انقسامها حول موقفها من تولي نتنياهو زعامة معسكر اليمين الواسع في اسرائيل؛ أي زعامة كل اسرائيل؛ على اعتبار أن اليمين أصبح الأكثرية المطلقة في الكيان الصهيوني؛ ومن يُجمع اليمين على تأييده سيصبح هو زعيم ورئيس حكومة اسرائيل.
وما يحدث اليوم هو ان الذين يؤيدون نتنياهو داخل اليمين، إنما يفعلون ذلك نظراً لوجود قناعة لديهم بأنهم لا يزالون بحاجة لحماية نتنياهو لهم، بمقابل أن نتنياهو لا يزال يشعر أنه بحاجة للتعامل مع كل اتجاهات اليمين حتى يستطيع في ظل انقسام اليمين العامودي، الحصول على الأغلبية الضئيلة في الكنيست (٦٠ مقعدا زائد مقعد واحد).
واليوم يقترع اليمين الاسرائيلي بجبهاته المختلفة لواحد من خيارين:”نعم لنتنياهو”، أو “لا لنتنياهو” التي تساوي سياسياً انتخاب بائير لابيد… وتفيد ارقام استطلاعات الرأي أن كلاً المعسكرين لا يملك أغلبية حتى ضئيلة، حيث تعطي الاحصاءات نتنياهو تفوقاً بـ٦٠ مقعداً؛ ما يعني أنه سيحتاج لمقعد واحد اضافي حتى يبلغ الأغلبية الضئيلة؛ وهذا المقعد موجود إما عند “الكتلة العربية” أو عند “أقصى اليمين اليهودي” أو عند بقايا “اليسار”؛ ما يجعل نتنياهو عاجزاً عن شرائه؛ ولذلك فإن نتيجة الدورة الخامسة من الانتخابات المبكرة التي تجري اليوم، ستسفر على الاغلب، عن نتيجة تتمثل بالذهاب مرة سادسة الى دورة انتخابات مبكرة بعد عدة أشهر.
وهذا الوضع الذي يتكرر فيه مشهد ان الانتخابات لا تؤدي إلى إعادة تكوين السلطة في إسرائيل، بات يسمح للمراقب ان يطلق عليه تسمية “متاهة الديمقراطية الإسرائيلية” التي تجعل اسرائيل تدور في حلقة مفرغة من عدم الاستقرار السياسي.
والواقع ان نتنياهو ليس هو سبب أزمة “متاهة الديمقراطية الإسرائيلية”؛ بقدر ما ان تجربته السياسبة ساهمت بالكشف عن وجودها؛ فنتنياهو في حال فاز بالسلطة للمرة الرابعة؛ فإنه بحسب الأعراف الإسرائيلية، سيستحق لقب” ملك اسرائيل”؛ وهذا اللقب لم يستطع أحد من زعماء اسرائيل الفوز به، إذ انه حتى بن غوريون لم يستطع الفوز أربع مرات برئاسة الحكومة.
وفي العمق، هناك مشكلة تواجه المستوى العميق داخل الكيان الصهيوني وداخل الحركة الصهيونية، ومفادها أنه لا يمكن السماح لنتنياهو المتهم بالفساد، والمنقسم اليمين الصهيوني نصفين حول زعامته، والمحسوب على ظاهرة ترامب داخل الاشتباك بين الحزبين الديموقراطي والجمهور في أميركا، ان ينال لقب” ملك اسرائيل”؛ لأن ذلك سيجعل مشاكل نتنياهو الاخلاقية والسياسية والاستراتيجية هي مشاكل اسرائيل؛ وهذا أمر غير مرغوب به، ومضر بمصالح الدولة العبرية العليا.