الهديل

خاص الهديل: تفجيرات القدس واسطنبول ودمشق: فتيل الرسائل الدامية المشتعل..

خاص الهديل:

الأيام الأخيرة كانت بالفعل أيام الرسائل الساخنة والدامية التي تحمل تواقيع مرسليها المباشرين، وتحمل أيضاً تواقيع الذين هم أخطر منهم؛ أي مرسليها غير المباشرين..

وعلى هذا، فإنه لا يمكن النظر للأحداث الساخنة والدامية التي حصلت في الأيام الأخيرة، من دون إنشاء رابط بينها، يمكن تسميته بلعبة تبادل الرسائل بالنار.. والمقصود هنا أقله أربعة تفجيرات: اثنان أمس في القدس وثالث في دمشق استهدف عقيد في الحرس الثوري، ورابع كان حصل قبل أام في اسطنبول واستهدف هيبة الامن التركي…

كان تفجير اسطنبول الذي نفذته امرأة قالت أنقرة أنها تنتمي لحزب العمال الكردستاني، رسالة مفاجئة لقدرات تركيا الاستخباراتية، وقد ردت أنقرة عليها برسالة أرادت من خلالها أن تفاجأ واشنطن، وذلك عندما قرر أردوغان توجيه الاتهام التركي السياسي بالمسؤولية عن العملية، بشكل مباشر، إلى واشنطن.

لقد أعتبرت أنقرة أن المتسببين في انفجار اسطنبول، هم جماعة كردية تتواجد في منطقة ” قسد” في شرق شمال سورية المحمية من القوات الأميركية.. وبذلك تكون أنقرة أشارت إلى أن هناك “منفذي الانفجار المباشرين” وهم حزب العمال الكردستاني، وهناك المنفذون الأهم من حزب العمال الكردستاني، وهم المنفذين غير المباشرين الذين سمحوا بالانفجار؛ وهؤلاء هم فريقان: الأول يسمى معنوياً بمنطقة قسد الواقعة شرق شمال سورية (منطقة الإدارة الذاتية للكرد في سورية) والتي تعلن تركيا دائماً أنها تنوي التدخل عسكرياً لتفكيكها، والفريق الثاني يسمى معنوياً بمظلة الحماية الأميركية التي تظلل منطقة قسد الكردية السورية.

لقد تدخل بايدن شخصياً ليوقف سياق هذا الاتهام التركي السياسي لواشنطن ولأكراد سورية، عندما عزى شخصياً أردوغان الذي كان رفض تعزية السفارة الاميركية في تركيا. وأراد بايدن القول لأردوغان أن واشنطن لا تقف وراء رسالة تفجير اسطنبول، ولكن أنقرة التي جاملت بايدن وقبلت منه التعزية، لا تزال تعتقد أنه لولا مظلة الحماية الأميركية لمنطقة قسد، ما كان الأكراد يتجرأون على تنفيذ انفجار اسطنبول .. وموقف تركيا هنا يشبه موقف طهران التي تعتقد أنه لولا الحماية الأميركية والإسرائيلية لأكراد كردستان العراق، ما كان أكراد إيران يتجرأون على تفجير احداث الاحتجاجات داخل إيران.

 

وعملياً فإن انفجار اسطنبول فتح باباً واسعاً أمام العودة لتبادل الرسائل الدامية بين الكرد وتركيا التي تهدد الآن بدخول عسكري لضرب كرد سورية، فيما واشنطن تمارس دور ضابط إيقاع التصعيد بين الطرفين ولدى الطرفين، وتمارس لغة الإيحاءات مع أردوغان تارة باتجاه الملف الاوكراني، وتارة باتجاه الملف الروسي، وذلك فوق ميدان هي صنعته؛ وهو ميدان إثارة قلق الأكراد من أنقرة، وأيضاً إثارة قلق أنقرة من الأكراد الذين يبدو لافتاً لدول المنطقة حيوية حركتهم هذه الفترة، سواء في الداخل الإيراني حيث يوجد لبايدن أهداف، وفي شرق شمال سورية حيث الوجود العسكري الأميركي، وداخل تركيا ذاتها حيث أنقرة هي حلقة ربط النزاع بين الناتو وبوتين في حرب اوكرانيا وفي الهدن الإنسانية التي تتخللها…

ويبدو تركيا مستمرة كهدف لجهات مختلفة نتيجة حساسية موقعها في الحرب الكونية الاوكرانية، ونظراً لأنها دولة الناتو التي تقع على مثلث ضبط العلاقات مع روسيا وإيران واوكرانيا. وهذا الموقع الذي تتموضع فيه أنقرة هو الذي يفسر لماذا حاولت تل أبيب أمس أن توجه الاتهام السياسي عن المسؤولية عن انفجاري القدس إلى تركيا(!!).

كان لافتاً أمس ما سربته مواقع صحفية عبرية عن أن الجهة التي خططت لعملية التفجيرين في القدس، هي قياديين في حماس موجودون في تركيا، وليس في غزة..

السؤال هو لماذا توجه تل أبيب الاتهام لحماس “التركية” – إن جاز التعبير- ، علماً أن قيادة حماس موجودة في غزة، وفقط بعض قياديي حماس موجودون في تركيا، وهؤلاء ليسوا حالة مستقلة عن حماس غزة، بل يتبعون لها؟؟

أبرز سبب هو أن تل أبيب تريد فتح ملف علاقة تركيا بحماس؛ والضغط على أردوغان لطرد حماس من أنقرة، وذلك بمقابل أن أردوغان يريد فتح ملف كرد سورية والحماية الأميركية لهم، وبمقابل أن إيران تريد فتح ملف كردستان وحماية أميركا وإسرائيل لها ولنشاطها في احتجاجات الكرد الإيرانيين.

كما تريد تل ابيب من جهة أخرى وضع انفجاري القدس ضمن نطاق أنه ليس عمل من داخل القدس أو الضفة؛ ولا حتى من داخل غزة، بل هو عمل خارجي يتلطى بالرداء الفلسطيني حتى يحقق أجندات إقليميين ودوليين، وذلك لحساب صراعات ليس لموضوع فلسطين علاقة به. وكل هدف إسرائيل هنا، هو تزوير حقيقة ان انفجاري القدس هما استمرار لعمل الانتفاضة بشكليها العسكري والمدني المستمرة في الضفة والقدس منذ أشهر ..

وضمن موسم الرسائل الدامية؛ ورَد من دمشق أمس نبأ اغتيال ضابط في الحرس الثوري الإيراني العقيد داود الجعفري… واللافت في هذا الخبر هو أولاً الهوية الإيرانية للضابط. وثانياً هو مكان حصول الإغتيال؛ أي في دمشق؛ وثالثاً هو القطاع العسكري الذي ينتمي إليه ضابط الحرس الثوري، وهو سلاح الجو والفضاء.

لم يتسن أمس معرفة الزمن الذي وقعت فيه عملية الاغتيال: هل وقعت أمس أم أنها وقعت في وقت سابق، وتم الإعلان عنها أمس من قبل الحرس الثوري… والسؤال هو اذا كان العقيد الجعفري اغتيل قبل فترة؛ فما هو سبب الإعلان عن اغتياله أمس؛ فهل ذلك مرتبط بحدث تفجيري القدس.

…وبكلام أوضح هل توقيت اعلان خبر اغتيال الجعفري المتزامن مع تفجيري القدس، يريد إنشاء معادلة من قبل الحرس الثوري تقول “أمن القدس مقابل أمن الحرس الثوري في دمشق”… 

هذا من الجانب الايراني؛ أما من الجانب الاسرائيلي. فإن ما يثير الانتباه أيضاً هو “إختصاص الهدف” الذي اختارته الموساد في دمشق؛ فالعقيد الجعفري هو من قطاع الجو والفضاء، أي ان المسيرات تقع ضمن مجال عمله؛ ولذلك فإن اغتياله اسرائيلياً على الأرجح هدفان اثنان: أولاً الرد على رسالة المسيرات التابعة لحزب الله فوق كاريش، والثاني احتمال أن يكون داخل عملية الموساد ضد الجعفري، خدمة اسرائيلية لاوكرانيا التي تشكو من إرسال إيران مسيرات لروسيا…

قصارى القول أن لعبة رسائل التفجيرات والاغتيالات المزدهرة هذه الفترة في المنطقة. إنما الهدف منها هو إنشاء مجموعة معادلات وقواعد اشتباك جديدة: فمن ناحيتها طهران تريد القول “ان أمن القدس من أمن الحرس الثوري في دمشق”، ومن ناحية تل أبيب تريد القول أن “حماس التركية إرهابية”؛ وهذه معادلة تقدم خلالها إسرائيل مساعدة غير مباشرة للكرد لرفع الضغط الكردي عنهم في شرق شمال سورية؛ ومن جهة تركيا تريد القول أن “الحماية الأميركية لكرد سورية تُفجر وتقتل الأبرياء في اسطنبول، وأن على بايدن السماح بدخول أردوغان العسكري الى منطقة قسد”؛ وهذه معادلة لها تتمة في إيران التي تقول ان الحماية الإسرائيلية والأمريكية لكرستان العراق يسيء لأمن إيران الداخلي ويجب رفعها!!

تبقى بالنهاية إشارة يفرض طرحها واقع ازدهار لعبة تبادل الرسائل الحامية في المنطقة؛ ومفادها الخشية من أن يأخذ لبنان نصيبه من لعبة الرسائل الساخنة، خاصة انه منذ ايام ظهر كلام عن اغتيالات أو تفجيرات قد تحدث في لبنان!!.. بالنهاية يجب الحذر : انه موسم الرسائل الإقليمية والدولية الساخنة في منطقتنا..

Exit mobile version