الهديل

خاص الهديل: طوفان الأقصى: كَشَفَ الحقائق والفوارق في الصراع العربي الإسرائيلي

خاص الهديل…

خاص الهديل: طوفان الأقصى: كَشَفَ الحقائق والفوارق في الصراع العربي الإسرائيلي

في الواقع لم تكن حرب طوفان الأقصى ضربة أحيت القضية الفلسطينية وأعادتها لصدارة المشهد الدولي وحتى العالمي، بل كشفت الفوارق الواضحة بين العرب والصهاينة على كل المستويات، شعبياً ورسمياً وسياسياً، كما أنها سلطت الضوء على المستقبل والنتائج الحتمية للصراع العربي الإسرائيلي.

فعلى الرغم مما يتعرض له الشعب الفلسطيني من اضطهاد واعتقال وتهجير بالقوة، إلا أنه في ذات الوقت لا يُعتبر تهجيره من بيته أبدياً؛ فالفلسطيني الذي يُجبر على ترك بلاده يأخذ معه مفاتيح بيته آملاً في العودة يوماً ما؛ وعلى عكس الفلسطيني؛ نرى أن الإسرائيلي يحتفظ بجنسيات أجداده، بل ولا يكتفي بجنسية واحدة، لأنه يعلم أن تلك الجنسية المُعطاة له “الإسرائيلية” لن تُطيب له البقاء على الأرض الفلسطينية وسيُضطر يوماً ما للعودة إلى وطنه الذي أتى منه، وترك الأرض التي اغتصبها.

 

بات بالفعل احتمال انهيار المشروع الصهيوني في فلسطين مطروحاً للنقاش، بل إن نتنياهو نفسه قال إن ما يشغل باله هو هل ستحتفل إسرائيل بمئويتها – تقريباً في 2018 -. الإسرائيليون الذين جاؤوا إلى الأراضي الفلسطينية منشدين نشيد “هتكفاه” وحرقوا جنسياتهم الأولى وغيروا أسماءهم إلى أسماء جديدة عادوا إلى بلدانهم طالبين الجنسية بعدما أصبح الشك في بقاء دولة اسرائيل حافزاً قوياً جعلهم يبحثون عن جنسيات وأوطان بعدما أشبعوا العالم ضجيجاً بأنهم شعب بلا وطن، وصاروا يطمعون في أكثر من وطن لضمان ملاذات حال انتهى حلمهم في الأراضي العربية المقدسة.

 

على الجانب العربي رأينا وشهدنا بأعيننا رغبة الفلسطينيين في العودة إلى غزة بعدما بدأ الجيش الإسرائيلي عملياته الانتقامية وجرائمه بعد طوفان الأقصى وتوافدهم على معبر رفح، رغبة في العودة إلى غزة، والصمود على أرضها والموت فيها، وعلى الجانب الآخر اكتظت المطارات الإسرائيلية بالفارين منها خوفاً على حياتهم لعله أكبر دليل على عدم تعلقهم بالأرض إنها ليست لهم ولذلك يهربون منها ويتركونها خلفهم.

 

أما عن الجنود والمقاتلين فنجد أن أعداد الجنود الإسرائيليين الذين تلقوا مساعدة نفسية منذ عملية طوفان الأقصى تزايد بشكل كبير، ففي الأسابيع الثلاثة الأولى من بدء العملية البرية على غزة تلقى المئات منهم المساعدة النفسية وقبل نهاية العام اي في خلال شهرين تعدى عدد الجنود الذين تلقوا المساعدة النفسية أكثر من 2000 جندي، ووفقاً لهيئة البث الإسرائيلية أنشأ الجيش مركزين للصحة النفسية جنوب إسرائيل، بالإضافة إلى مركز اتصال هاتفي يعمل فيه علماء وأطباء نفسيون وهم في خدمة الاحتياط، في الوقت الذي نجد مرابطاً فلسطينياً يقاتل وساقه مبتورة.

 

رأينا كيف عاد المحتجزون الإسرائيليون لدى الفصائل الفلسطينية بصحة جيدة وسمعنا شهاداتهم “على شاشاتهم”، وكيف كانت تتعامل معهم الفصائل، وكيف قدموا لهم الطعام والعلاج، كما رأينا أيضا كيف يعود الأسرى الفلسطينيون الذين عانوا من عدم العلاج وبدت عليهم آثار التعذيب وآخرهم الأسير سراح بدر الذي ظهر في مقاطع الفيديو التي انتشرت بعد خروجه، بدا وكأنه شبح إنسان، عيناه الجاحظتان تخبرنا بقصص الرعب التي عاشها، وملامح وجهه المشوهة تعكس حجم الألم الذي تعرض له، لم يكن بدر قادراً على إكمال كلماته بسهولة، يتلعثم في الكلام، وكأنه يحاول تجميع شتات أفكاره وسط ضباب كثيف من الرعب والهلوسة، هذا المشهد يبقى من المشاهد التي توضح ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون من تعذيب وتنكيل في السجون الإسرائيلية.

 

 

وبتسليط الضوء على الجيش الإسرائيلي والذي يُقال عنه بأنه “أقوى جيش إقليمي” المدعم بالترسانة الحربية الأميركية؛ نلاحظ أن مهمته الأولى في الوقت الراهن هي إزالة فصائل المقاومة الفلسطينية، التي تعتبرها اسرائيل أنها “خطر وجودي”، وفي السياق يتعرض الشعب في قطاع غزة ورفح وغيرها من المدن الفلسطينية، أو في معظمها، لإبادة فظيعة، تتمثل في تدمير المدن والمخيمات وحتى الحضارة.

 

لقد حولت آلة الدعاية الإسرائيلية وامتداداتها الغربية استهداف المدنيين إلى شماعة لتبرير الفشل، وللانتقام، ولإعلان الحرب، وشيطنة الكل الفلسطيني، وحشد الرأي العام العالمي ضد الشعب الفلسطيني تمهيداً لحرب الإبادة في قطاع غزة، علماً بأن جزءاً من المدنيين الإسرائيليين ومن جنسيات أُخرى قُتل في أثناء الاشتباك بين مقاتلي “حماس” وعناصر الجيش والأمن الإسرائيليين الذين شنوا هجوماً مضاداً، أي أنهم قتلوا بنيران إسرائيلية، كما تفيد شهادات بعض الناجين الإسرائيليين.

 

نستنتج مما سبق، بأن الإمعان الإسرائيلي في الهجوم الوحشي على قطاع غزة يضع العالم أمام أبشع حرب إبادة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا. وبلغة موازين القوى والعقل لا يوجد خطر وجودي يهدد اسرائيل، فما حدث يوم 7 أكتوبر هو اختراق للأمن والاستقرار الإسرائيليين، وكان له قيمة رمزية مهمة تتمثل في اهتزاز صورة التفوق والهيمنة والتحكم بشعوب ودول المنطقة، وخصوصاً حين برهن الاختراق أن التفوق الإسرائيلي ليس مطلقاً ولا دائماً، كما أنه ليس قدراً لا فكاك منه، كذلك تكمن خطورة الاختراق في اهتزاز صورة إسرائيل لدى يهود العالم الداعمين لها بالمهاجرين، أضف إلى ذلك، يتبين للعالم بأن ىلة الوحش الإسرائيلية تبقى من أبشع الآلات غطرسةً وقمعاً، ضاربةً بذلك القرارات الدولية عرض الحائط، دون حسيب ولا رقيب مما يحدث بفلسطين وشعبها.

Exit mobile version