خاص الهديل ..
بقلم: ناصر شرارة
هناك رواية مشهورة للروائي الأميركي اللاتيني غابرييل غارسيا ماركيز عنوانها “قصة موت معلن”؛ تدور أحداثها عن شخص اسمه نصار وهو مهاجر عربي أخذ في الأيام الأخيرة يطوف سوق البلدة وهو يصرخ بأعلى صوته سوف يقتلوني.. سوف يقتلوني.. واعتاد جميع المارة النظر إليه من دون اكتراث؛ وبعد أيام قليلة وجد نصار مقتولاً عند زاوية أحد الأزقة..
تشبه أحداث رواية “قصة موت معلن” مبادرة وزارة الخارجية الأميركية تجاه “أزمة لبنان مع جريمة مجدل شمس”.. فوزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، يصرخ في أذن أروقة الأمم المتحدة والبيت الأبيض قائلاً بأعلى صوته: “أنقذونا ستقصفنا إسرائيل.. ستقصفنا إسرائيل”؛ فيما بلينكن وبايدن وهوكشتاين لا يبالون بتوسلاته، ويردون عليه: يجب أن لا يقوم حزب الله بأي تصعيد!!..
الصراخ الذي يطلقه بو حبيب يتم في واد؛ وواشنطن ترد في واد آخر.. وفيما القضية هي الخشية من ضربة عسكرية إسرائيلية موجعة للبنان؛ فإن أميركا تعتبر ان المشكلة تقع في قيام حزب الله بالرد على الضربة العسكرية الإسرائيلية الموجعة. وبالنهاية فإن بوحبيب الذي يرمز هنا إلى لبنان على أرض الواقع، وإلى المهاجر العربي نصار. في رواية ماركيز سوف يتعرض للضربة الإسرائيلية، ولن ينقذه منه صراخه المعلن والاستباقي في أروقة الدولة: ستقصفنا إسرائيل….
كل الخشية هنا أن تدخل أزمة لبنان مع العدوان الإسرائيلي في مرحلة ما بعد جريمة مجدل شمس، إلى نفس النفق والسيناريو الذي دخلته أزمة رفح بعد زعم إسرائيل انها انتهت من معركة خانيونس.. حينها طلب الأميركي من نتنياهو أن لا يدخل رفح؛ ثم أن يدخل رفح مع لحظ عدم قتل المدنيين مع فعل في شمال وجنوب غزة.. ثم قال بايدن إنه مع قتل حماس في رفح ولكنه ليس مع قتل النازحين الغزاويين في رفح وليس مع تدميرها!!
الأمر نفسه يتكرر في هذه الساعات مع لبنان؛ بايدن يقول إنه يدعم إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد حزب الله؛ فيما بلينكن يقول إن واشنطن ضد التصعيد في لبنان؛ ولكن الجملة الأميركية التي كان مطلوباً ان يقولها بايدن في غزة لنتنياهو لمنع المجازر الإسرائيلية فيها، ولم يقلها بايدن هناك، وهو لا يقولها أيضاً اليوم في لبنان: نتنياهو توقف عن المجازر وعن إطلاق النار..
الخطر اليوم على لبنان بعد جريمة مجدل شمس يأتي من أن الموقف الأميركي تجاه الاعتداء الإسرائيلي المنتظر على لبنان يشبه لحد بعيد الموقف الأميركي الذي اتخذه بايدن تجاه قرار إسرائيل بالهجوم على رفح.. والواقع ان عبارة “نعم” الأميركية تعني عملياً ضوء أخضر لشن هجوم وارتكاب مجازر..
المطلوب ان تقول أميركا لنتنياهو ممنوع تصعيد الموقف في لبنان بعد جريمة مجدل شمس غير الواضحة بعد لجهة الطرف المتسبب بها؛ أما قول بايدن انه اتضح ان حزب الله هو الجهة المسؤولة عن الجريمة؛ وأن على حزب الله أن لا يرد على التصعيد الإسرائيلي الحتمي، فهذا يعني أن لبنان بموافقة أميركية، سيدخل سيناريو رفح سياسياً وعسكرياً؛ بمعنى آخر سيتدحرج التصعيد الإسرائيلي باتجاه أن يصبح حرباً إسرائيلية نصف معلنة ولكنها فعلية مع سحب الدسم إقليمياً.
داخل سيناريوهات الحرب الإسرائيلية المطروحة ضد لبنان؛ يوجد سيناريو بعنوان نظرية تغيير الملعب الاستراتيجي. ملخص هذه النظرية يوصي بأن تغير إسرائيل تضاريس ميدان المواجهة مع حزب الله؛ وبنظر هذه النظرية فإن تغيير تضاريس الميدان يتم من خلال التركيز على لاعبين فيه أضعف من حزب الله؛ وهما إثنان يتنفس الحزب الأوكسجين منهما: الدولة السورية والدولة اللبنانية.
باختصار إسرائيل قد تكون معنية بضرب الدولة اللبنانية وبضرب البلد، وليس بضرب الحزب؛ لأن الأخير هو اللاعب القوي القادر على احتمال الضربات؛ فيما البلد ودولته المتداعية لا تحتمل، وقد يتسبب ضربهما – من وجهة نظر الخطة الإسرائيلية – ارتفاع صراخهما بوجه حزب الله حتى يوقف الحرب..
أخطر ما في هذه النظرية الإسرائيلية هي أنها تصر من جهة على استمرار الحرب في غزة، حتى لو كان الثمن إشعال المنطقة بحرب إقليمية؛ وأنها من جهة ثانية تتوخى نتائج سوريالية غير قابلة للتحقق، ولكن الشيء الوحيد الذي ستنجح به هو تدمير لبنان، كما جرى بخصوص تدمير غزة.