الهديل

خاص الهديل: تهدئة مؤقتة في صراع مستمر

خاص الهديل…

قهرمان مصطفى…

حربٌ قد نقول عنها بأنها وضعت أوزارها وأخذت 420 يوماً من حياة اللبنانيين بما عانوه من نزوح وتهجير وتدمير؛حربٌ قضا طرفاها – حزب الله واسرائيل – في ميدان القتال، منها نحو تسعة أسابيع شهِدَت تصعيداً عالي السقف، بعدما أخذت صفتها الكاملة دون الاكتراث لما يُسمى بالخطوط الحمراء، وها قد ذهبا – الطرفان – إلى التهدئة اضطراراً نتيجة الضغوط الدولية، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية بمبعوث رئيسها المنتهي الصلاحية؛ وبهذا الاتفاق ذو الـ 13 بنداً سيكون كل طرف منهما مخطئاً لو اعتبراه لصالحه، أو ربما ظن أن صورة النصر التي سعيا إليها عبر اختبار الخيارات الخشنة، وتسعير الدعايات والحروب النفسية إلى آخرها قد حققت للطرفين ما يردانه.

بإختصار؛ هُزِمَ الطرفان ولم يربح أحد، وأُبرمت الصفقة أخيراً بوساطة أمريكية، ونزل المتحاربان عن الشجرة بعدما احترقت فروعها؛ وتكبدت على إثرها الدولة العبرية خسائر فادحة في المال والأرواح، وأضعافها في السُّمعة،؛ والأهم أنه انكشفت نظرية الأمن المُتحصنة وراء “جدار حديدي” أرسَته نظرية زئيف جابوتنسكي؛ ذلك الجدار الذي يعني قوة عسكرية ساحقة تضمن البقاء للدولة اليهودية وتجبر العرب على قبولها؛ إلى أنه سقط في عهدة نتنياهو. وبضمن ما عانته اسرائيل، لا يُمكن القفز على أن أضرار لبنان كانت أكبر، في الاقتصاد والحياة ومناعة البيئة الوطنية، وأكثر من ذلك طالت حرمت الحزب قياداتٍ وقيادات وعلى رأسها الأمين العام لحزب الله الشهيد حسن نصر الله.

وعليه وبالنسبة للخسائر التي تعرضت لها اسرائيل، أصبح الكيان في موضع أن يُعيد النظر في أفكاره الإلغائية، وفي آليات الاشتباك مع مُحيطه سواء بالسياسة أو بالسلاح، نظراً لما تكبدته من خسائر على صعيدي المال والأرواح، والأبرز ملاحظة التغييرات التي كانت تحصل في حكومتها جراء الحرب التي تخوضها سواء التغييرات على المستوى السياسي أو حتى العسكري وآخرهم وزير دفاعها يوآف غالانت!. 

وضمن سياق وقف النار؛ فإن الاتفاق النافذ لم يغادر بموجبه الإسرائيلي مواقعه في النقاط الثلاثة عشرة محل الخلاف، والحدود لم يُعد ترسيمُها كما أراد، أو حتى بالحد الأدنى الذي تقترحه إسرائيل، والأهم لإسرائيل أنها استطاعت بشكل أو بآخر كما تحدث نتنياهو أن يإفصل الجبهة اللبنانية عن الغزاوية؛ وعليه لا يزالُ العدوان واقعاً على غزة، وغياب الحزب اليوم عنها إنمّا يعيد توجيه آلة القتل الوحشية نحو القطاع؛ بأضعاف ما كانت عليه سابقاً.

الاتفاق لم يأتي هكذا، إنما بأثر وساطة واشنطن، وذلك لإقناع زعيم الليكود، وتذويب اعتراضه على خلفية مواقف “ماكرون” وحكومته الأخيرة، وأحدثها الترحيب بمذكرة التوقيف الصادرة عن محكمة الجنائية الدولية؛ فبعد ساعات قليلة من إنفاذ وقف إطلاق النار، أعلنت فرنسا رفضها قرار المحكمة بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه السابق، وهكذا اتَّضحت حقيقة التوافق الخفي، واكتمل عقد الهيمنة الصهيونية على التسوية الإذعانية في الشكل والمضمون.

لا شك أن منافع زعيم الليكود عديدة، أولها الخلاص من إزعاج الجبهة الشمالية، وإعادة النازحين من سكان المستوطنات. ومع تقليص الضغط على الجيش؛ سيكون بمقدوره تخفيض الطلب من جنود الاحتياط، ما يسمحُ بتعطيل مشروع تجنيد الحريديم وإطالة عُمر الائتلاف الحكومي.

الهدية التي قدَّمها لبايدن ستمنعُه من تطويقه فى غزّة، وتمهيدُ الأرض لترامب من أجلِ تنصيبٍ هادئ نسبيًّا، قد يُغذِّى طموحَه فى أن يُلاقيه على هدف تطويق إيران؛ وزبدة القول هنا، ماتت وحدة الساحات، وكل ما يُحتمل بعد إعلان الوفاة، قد لا يتجاوز انتفاضة العروق؛ بأثر اندفاعة الدم قبل أن يسكت القلب تماماً.

Exit mobile version