يُعدّ تمام سلام، نجل رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق صائب سلام، الذي شغل رئاسة الحكومة اللبنانية في أربعة عهود مختلفة بين العامَين ١٩٥٢ و١٩٧٣، امتدادًا لإرث سياسيٍّ عريق تحمله عائلة سلام، التي نشأت في قلب العاصمة بيروت، والتي لطالما كان لها دور بارز في الحياة الوطنية والسياسية اللبنانية.
برزت عائلة سلام كإحدى العائلات البيروتية العريقة التي لعبت دورًا مؤثراً في مسار الاستقلال اللبناني والحياة السياسية اللبنانية. كان والده الرئيس صائب سلام، رمزًا وطنيًا وقائدًا سياسيًا جمع بين اللباقة الدبلوماسية والموقف الحازم باتجاه بناء الدولة العادلة والقويّة، وقد عُرف بمواقفه المبدئية في الدفاع عن وحدة لبنان وتنوّعه، وكان دائمًا من دعاة الحوار والتوافق بين الأطراف المختلفة، على قاعدة «التفهّم والتفاهم» التي أكثر ما يحتاجها لبنان اليوم بعد كلّ التصدّعات في المجتمع اللبناني نتيجة حدّة الانقسامات السياسية والطائفية خاصة بعد الحرب الاسرائيلية الاخيرة.
تمام سلام، الذي ورث هذا الإرث الوطني، استمرّ على نهج والده عبر العمل السياسي المتّزن والمتوازن. تولى رئاسة الحكومة اللبنانية في مرحلة حساسة من تاريخ لبنان بين العامَين ٢٠١٤ و٢٠١٦، حيث واجهت حكومته تحدّيات كبيرة، من أبرزها الشغور الرئاسي بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان والانقسام السياسي العميق الذي عطّل الاستحقاق الرئاسي لأكثر من سنتَين. تميّزت رئاسته للحكومة بالحكمة والصبر، حيث نجح في الحفاظ على حدّ أدنى من الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني رغم حدة الانقسامات السياسية والتحديات الامنية والعسكرية، خاصةً نتيجة الحرب السورية آنذاك وارتداداتها التي لم يسلَم منها لبنان.
في الأسبوع المنصرم، وبعد أيام من سقوط النظام السوري البائد، أصدر تمام بيك بيانًا مفاجئًا طلبه فيه سحب اسمه من التداول كمرشح محتمل لرئاسة الحكومة المقبلة، رُغم أن الكثيرين من العارفين في الشؤون المحلية والعربية يؤكّدون أنه كان من أبرز المرشّحين ومن أكثر المؤهلين لترؤّس الحكومة الأولى في العهد المقبل. يقول تمّام بيك في مجالسه عند سؤاله عن سبب عزوفه هذا، أن المرحلة المقبلة تتطلب وجوهًا جديدةً وأفكارًا متجدّدة لمواجهة التحدّيات الكبيرة التي يمرّ بها لبنان، ويؤكّد أن موقفه ينبع من إيمانه بضرورة تجديد الطبقة السياسية وإفساح المجال أمام جيلٍ جديد قادر على تحقيق الإصلاحات المنشودة وليس من باب «الغنج السياسي».
يعكس موقف تمام سلام حسًا وطنيًا عاليًا، فهو يدرك أن التغيير في لبنان ومواكبة المتغيرات التي تجري من حوله، لا يمكن أن يتحقّقا الاّ بفتح المجال أمام طاقاتٍ جديدة تحمل رؤية جديدة للمستقبل. ورغم هذه المبادرة النبيلة التي تعبّر عن تواضع رجل الدولة وترفّعه عن المناصب مهما علت، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أن تمام سلام يبقى حاجةً وطنيةً في المستقبل بصرف النظر عن الموقع، كما تبقى عائلة سلام، بكل ما تمثّله من إرث سياسيّ ووطنيّ، مدماكاً أساسياً للحفاظ على التوازن والاعتدال في لبنان، وعنوانًا للترّفع والكِبر والتواضع في زمن قلّ فيه رجالات الدولة وكثُر فيه الأزلام.