خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
قبل عام تقريباً عقد أفراد إسرائيليون مؤتمراً افتراضياً بواسطة تطبيق الاجتماع عن بعد، حول الاستيطان في جنوب لبنان.. وكان بين المشاركين أحد علماء الآثار الذي يرى أنه يجب على إسرائيل التمدد لتضم إليها جنوب لبنان. فهو يقول أن هناك شواهداً تاريخية ودينية تدلل على أن جنوب لبنان هو جزء من أرض إسرائيل.
عدد المشاركين في المؤتمر كان قليلاً؛ ولكن الخطورة فيه أنه يطلق فكرة لتكون مهمة عمل الأجيال الجديدة من أبناء اليمين الديني المتطرف في إسرائيل.
خطة العمل بسيطة: أفراد يجتمعون ويقولون لدينا شواهد دينية على أن الرب وعد إسرائيل بجنوب لبنان.. ثم يذهب أفراد قليلون من مناصري الاستيطان إلى الجنوب اللبناني، ويزرعون فيه هذه الفكرة التي تبدأ بالتكور شيئاً فشيئاً في أذهان مناصري التيار اليميني الإسرائيلي، ككرة الثلج حتى تأتي لحظة توازن قوى لصالح إسرائيل مع لبنان وفي المنطقة والعالم ما يسمح لها بتجسيد هذه الفكرة على أرض الواقع..
.. هكذا أساساً قامت إسرائيل: مستوطنة بعد مستوطنة؛ فكرة مستغربة بعد فكرة مستغربة؛ مجزرة بحق العرب بعد مجزرة.
قبل ثلاثة أيام عاد نشطاء الاستيطان ذاتهم الذي التقوا قبل عام في المؤتمر الافتراضي للدعوة للاستيطان في جنوب لبنان للاجتماع من جديد ولكن هذه المرة تجمعوا وقادوا سيارتهم واتجهوا إلى الحدود مع لبنان ودخلوا أحد البلدات اللبنانية المحتلة ونصبوا فيها لوحة تقول هنا أرض إسرائيل.
حدث ذلك على مرأى من أعين جنود إسرائيليين كانوا يحرسون موقعاً لهم داخل المنطقة الحدودية اللبنانية. اصطحب معهم النشطاء المستوطنون أطفالهم. أحد الأمهات أعطت طفلها كمشة تراب من أرض جنوب لبنان وطلبت منه أن يحتفظ بها كذكرى وأن يوزعها على أطفال معه في المدرسة. وقالت له ستعود معهم ذات يوم إلى هنا إلى أرض الأجداد…!!
طبعاً هذا المشهد لا يعكس وجود تيار يميني إسرائيلي كبير يدعو للاستيطان في جنوب لبنان؛ فعدد الذين شاركوا في الدعوة للاستيطان بالجنوب اللبناني، والذين وصلوا يوم الثلاثاء الماضي إلى الحدود مع لبنان، لا يتجاوز العشرين شخصاً؛ لكن ما يجب أن يدعو للقلق في لبنان هو “الفكرة” التي بدأت تنمو على أجندة عمل أطراف موجودة داخل بيئة اليمين الديني المتطرف الإسرائيلي!!..
لماذا يجب على لبنان أن يقلق من فكرة يطلقها عدد زهيد ومحدود داخل إسرائيل؟؟.
أولاً- لأن كل مشروع استيطاني إسرائيلي يبدأ بفكرة تطلقها مجموعة صغيرة دينية أو صهيونية غير دينية ثم تصبح مع الوقت مشروع عمل للدولة العبرية. وعليه يمكن القول ان فكرة الاستيطان قابلة للنمو داخل المجتمع الصهيوني الإسرائيلي وداخل أحزابه الدينية والليبرالية بذات الوقت وإن بوتيرة مختلفة في سرعتها.
ثانياً- ما يدعو للقلق هو أن إسرائيل حتى عقد مقبل من الزمن لن تخرج من معادلة أن من سيحكمها هو اليمين المتطرف في إسرائيل المتجانس مع إدارة ترامب الصهيونية المتطرفة أيضاً؛ وعليه فإن العقد القادم سوف يشهد ازدهار المشاريع اليهودية الصهيونية الاستيطانية المتطرفة والتي منها استيطان أجزاء أوسع من الضفة الغربية وضمها لإسرائيل وعودة الاستيطان لأجزاء من غزة وإخضاعها للحكم العسكري الإسرائيلي مرة جديدة وأيضاً بدء الترويج لمشروع استيطان جنوب لبنان بوصفه حسب بعض المجموعات الدينية الصهيونية هو جزء من أرض إسرائيل..
ثالثاً- إن الدعوة من قبل مجموعات استيطانية للاستيطان في جنوب لبنان تتقاطع مع دعوات قوى إسرائيلية أخرى ذات وزن داخل الحياة السياسية الإسرائيلية تدعو إلى احتلال جنوب لبنان أو أجزاء منه لأسباب عسكرية وسياسية وليس بالضرورة لأسباب استيطانية دينية. ورغم اختلاف الأسباب التي ينطلق منها كل من هذين الطرفين لإغتصاب أرض جنوب لبنان، إلا أنهما في النهاية يلتقيان عند هدف اقتطاع جزء من جنوب لبنان أو حتى كله.
وهذه الأصوات الداعية لاحتلال الجنوب أو جزء منه يقف على رأسها جدعون ساعر وزير الخارجية الإسرائيلي الذي عين مؤخراً مكان يسرائيل كاتس الذي أصبح وزيراً للدفاع مكان جالانت الذي استقال أيضاً قبل يومين من الكنيست. وساعر هو شخصية وازنة داخل حزب الليكود ولفترة غير قصيرة ظل يعتبر منافساً لنتنياهو على زعامة الليكود. وبالنسبة لساعر فإنه يجب على إسرائيل أن ترغم كل طرف يخرج لمقاتلتها على دفع ثمن جغرافي بنهاية الحرب معه. وعليه يقول ساعر انه بعد الحرب يجب أن تكون غزة ذات مساحة جغرافية أصغر مما كانت عليه قبل بدء الحرب؛ ونفس الأمر بالنسبة للضفة الغربية وبالنسبة لجنوب لبنان.
الواقع أن نظرية تدفيع الدول والجهات التي تخرج للحرب مع إسرائيل ثمناً جغرافياً (أي احتلال أراض منها) بات تعتبر جزءاً من عقيدة إسرائيل. العسكرية الجديدة، رغم عدم إعلانها رسمياً. ولكن نقطة التلاقي الأكثر خطورة بين دعوة نشطاء متطرفين إسرائيليين للاستيطان في جنوب لبنان “تلبية لنداء الرب”، وبين دعوة ساعر لتدفيع “العدو الفلسطيني واللبناني” ثمناً جغرافياً، تتمثل بكلام ترامب عن أن إسرائيل تملك مساحة صغيرة من الأرض يجب توسعتها!!
كل ما تقدم يشي بوجود تحالف موضوعي بين “الجنرال والسياسي الإسرائيلي التوسعي” (مثال ساعر) و”الحاخام الاستطياني الديني” و”المسؤول الأميركي الصهيوني” (مثال ترامب وفريق ادارته) من أجل تجسيد مشاريع توسعة مساحة إسرائيل على حساب أراض عربية قد يكون لبنان إحداها.
وهذا الواقع الموجود داخل إسرائيل والذي يحكم البيت الأبيض اليوم يشي أيضاً بأن السنوات المقبلة حتى نهاية هذا العقد، ستكون مرشحة لأن تشهد ازدهار موسم تطبيق الأفكار المتطرفة الصهيونية الاستطيانية وغير الاستيطانية، وذلك بغطاء من إدارة ترامب المتطرفة صهيونياً..