خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
دعوة الرئيس الأميركي ترامب كل من مصر والأردن إلى أن يستوعبا تهجير فلسطيني غزة، هيغ أمر غير مستغرب، ويكاد يكون متوقعاً، رغم أن أسلوب ترامب في التعبير عن هذه الدعوة كان كعادته فجاً وصادماً.
ما حدث هو أن ترامب عبّر عن فكرة أو عن خطة موجودة في العقلين الباطني والواعي الأميركي والصهيوني؛ فمشروع هرتزل يقوم أساساً على فكرة أن فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. وجوهر الفكرة الصهيونية تقوم على معادلة من شقين إثنين: الأولى أن يقبل الفلسطيني طوعاً أو بالقوة أن يترك أرضه؛ والثاني أن تجد الحركة الصهيونية أو من يدعمها دولة أخرى تقبل بتوطين أو استقبال الفلسطيني الذي يضطر أو يقبل طوعاً بترك أرضه ليشغلها بدلاً عنه مستوطن يهودي.
عام ١٩٤٨ حينما حدثت النكبة بالشعب الفلسطيني تم تهجير مئات الآلاف منهم إلى الأردن بالأساس وإلى سورية وغزة والضفة الغربية. كان التهجير آنذاك بالقوة ولكن لم تتبناه إسرائيل رسمياً. على أن هذا التهجير لم يكن ممكناً أن يحصل لولا أن الدول الكبرى الداعمة لقيام إسرائيل، لم تفرض على الأردن إيواء المهجرين الفلسطينيين، وأن تفرض أن يصبح الأردن هو “الاسفنجة” التي تمتص النتائج الإجتماعية والإنسانية لتهجير فلسطيني ال٤٨.
.. دائماً هناك حاجة لحرب إجلاء أو لخلق بيئة طاردة (أي بيئة لا يمكن الحياة فيها) حتى يصبح ممكناً توفير الشق الأول من معادلة تهجير الفلسطيني؛ وبالتزامن مع توفير الشق الأول؛ وحتى تصبح معادلة التهجير مكتملة يجب توفير الشق الثاني منها، ومفادها خلق بيئة خارج فلسطين تقبل باستقبال المهجر الفلسطيني تكون عبارة عن دولة (الأردن عام ٤٨) تعترف أو تدفع للاعتراف بتهجير الفلسطيني كأمر واقع؛ وتقوم بأداء دور الاسفنجة التي تمتص النتائج الإجتماعية والإنسانية والسياسية لجريمة حدث التهجير.
اليوم وبعد حرب غزة تمكنت إسرائيل من توفير الشرط الأول من معادلة تهجير أهل غزة، وهو جعل أرض قطاع غزة “بيئة طاردة” لأهلها الفلسطينيين، وذلك من خلال تسوية منازل القطاع بالأرض وقتل كل أسباب الحياة فيه. ولكن رغم أن الشرط الأول تم توفيره إلا أنه مع وجاهته من منظار إسرائيل غير أنه لا يكفي لأن يحصل التهجير؛ ذلك أن الفلسطيني مستعد للعيش فوق أرضه حتى لو تحولت إلى ركام؛ أو أقله فإن الفلسطيني سيبقى في أرضه التي أصبحت خراباً إذا لم يجد من يستقبله؛ وعليه فإنه من منظار الخطة الصهيونية فإنه حتى تصبح معادلة تهجير الفلسطيني مكتملة لا بد حتماً من توفير شرطها الثاني؛ أي إيجاد دولة تستقبل المهجر الفلسطيني. ولذلك كان واضحاً منذ بداية حرب غزة ثلاثة أمور:
الأول أن هدف إسرائيل الكبير في هذه الحرب هو استغلال أحداث يوم ٧ أكتوبر عالمياً لتبرير تدمير غزة وطرح فكرة تهجير سكانها إلى مصر.. وهذا الهدف تم الإعلان عنه منذ الأسبوع الأول لبدء حرب غزة.. وبهذا المعنى يمكن القول أن هدف إسرائيل الذهبي (أو النصر المطلق) من حرب غزة هو تحقيق ما يمكن تسميته “بالهدف الديموغرافي”، أي تهجير فلسطيني غزة.
الأمر الثاني هو جعل غزة بيئة طاردة لأهلها الفلسطينيين، أي قتل أي وسيلة للحياة فوقها؛ والهدف من ذلك أن يتم تسهيل عملية إقناع الفلسطيني بأن لا خيار أمامه سوى قبول مقترح الهجرة من غزة لبلد ثان يعرض عليه أن يستقبله؛ وهنا يبدأ مسار الأمر الثالث أي إيجاد دولة يفضل أن تكون عربية تقبل بإيواء لاجئِّي غزة.. وضمن هذه الجزئية كان ظهر منذ البداية أمراً في غاية الأهمية وهو أن إسرائيل بحاجة لتواطؤ عربي معها حتى تحقق الهدف الديموغرافي الذهبي من معركة غزة؛ وهو تهجير أهلها.
ويقود كل هذا المسار عن تحليل الهدف الإسرائيلي النهائي في غزة (أي النصر المطلق كما يسميه نتنياهو) إلى استناج أساسي بأن معركة غزة انتهى فصلها الأول (من وجهة نظر إسرائيل) ومؤداه تحويل غزة لبيئة طاردة لأهلها (أي اغتيال كل أسباب الحياة فيها)؛ أما المعركة الثانية من حرب غزة التي بدأت الآن، فهي معركة إرغام كل من مصر والأردن على قبول أن تعلنا عن استعدادهما لاستقبال المهجرين من غزة!!.
وما يشجع على القول أن هدف إسرائيل الذهبي في غزة لن يتحقق هو تمسك الفلسطيني في غزة وكل فلسطين بأرضه، وأيضاً موقف كل من الأردن ومصر الثابت برفض تهجير الفلسطينيين والتمسك بحق الفلسطيني بدولة فوق أرضه الفلسطينية؛ وهو موقف تم دعمه أمس من كل الدول العربية.