خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يبدو واضحاً؛ أو بتعبير أدق فإنه مع مرور المزيد من الوقت على مسار العمل لتشكيل الحكومة، يصبح واضحاً أكثر أن الرئيس المكلف نواف سلام يملك بنية تفكير ليس فقط مختلفة عن بنية تفكير زعماء الأحزاب بل هي أيضاً متناقضة معها.
.. وهذا الأمر هو مشكلة أكبر من مشكلة المعايير وقضيةوزارة المالية لحركة أمل والخارجية للقوات اللبنانية، الخ..
الفرق الأساس في بنية تفكير نواف سلام مقارنة ببنية تفكير زعماء الأحزاب يقع في أن الأول لا يرى رابطاً مباشراً يشبه حبل السرة، أو صلة يجب التوقف بعناية عندها بين منح وزارة المالية لأمل أو لشخص تسميه أمل وبين الأوراق وجدول أعمال الاجتماع الذي سيعقد اليوم بين الرئيس ترامب ونتنياهو.. بينما زعماء الأحزاب يكاد يظنون أن اجتماع ترامب – نتنياهو عقد على عجل لمناقشة مصير مستقبل وزارة المالية في لبنان!!
لا يعني ما تقدم أن نواف سلام لا يدرك ارتباط ما هو محلي بما هو عالمي، والعكس صحيح؛ ولكنه لا يغالي في هذا المجال؛ ولا يبالغ في تصوير هذا الربط، وينظر بواقعية لموقع لبنان الصغير داخل التوجهات الدولية الكبيرة؛ ولذلك فهو لا يتصرف وكأنه “دُويك” ينزل لأول مرة إلى المدينة حيث يتصور الأمور على أكثر مما تحتمل وعلى نحو أكبر بكثير من حقيقتها.
في جانب من أوجهها تبدو معركة تشكيل الحكومة هي معركة بين الوهم وتبديد الوهم؛ بين فريق يتوهم أنه انتصر بالسيف الدولي وأصبح في جيبه الإقليم الجديد؛ وفريق يتوهم أنه انتصر على الدوليين وأنه يستطيع أن يهزم الإقليم الجديد؛ وكلا الفريقين متوهمين، والحقيقة هي أنه لا غالب ولا مغلوب داخلياً بغض النظر عن الوضع الدولي الجديد مع ترامب، وعن شكل الإقليم الجديد بعد حرب غزة. والواقع أنه من خلال ما يحدث مع نواف سلام وهو في طريقه لتشكيل الحكومة، يتضح أن أخطر ما يواجهه هو من جهة عقبة الوهم الإقليمي والدولي التي يعاني منها جميع أطراف اللعبة السياسية اللبنانية، ومن جهة ثانية صعوبة نجاحه (أي نواف) في تبديد هذا الوهم.
الفكرة الأساسية التي لم تصل للقوى السياسية اللبنانية هي أنه داخلياً لا يمكن تشكيل حكومة في ظل وجود الوهم الداخلي الناتج عن حال الإقليم، وذلك لعدة أسباب:
أولاً- لأن حرب غزة لم تنته بعد وآثارها الإقليمية المطلوبة أميركياً وإسرائيلياً ليس ساحتها لبنان، ولكن ساحتها مصر والأردن كما يقول ترامب ذاته..
ومن منظار عام فإن نتائج حرب غزة لا يوجد فيها منتصر بل يوجد فيها خاسرون؛ وحتى نتنياهو لم يحصل على النصر المطلق وهو يخشى من أن ثمن حرب غزة سيكون سقوط حكومته؛ وحتى حماس فهي بحالة أزمة مع سؤال كيف تستمر الحياة في غزة، الخ..، وحتى ترامب فهو من جهة يقترح تهجير الغزاويين إلى مصر والأردن، ومن جهة أخرى يقول – مستنجداً – للقاهرة وعمان: أريد حلاً بديلاً لغزة؟؟!
وكل هذه المعطيات تؤشر لأمر أساسي وهو أن نتائج حرب غزة هي “كارثة” على الجميع؛ وعليه فإن الحكمة تقول انه يجب على كل الأطراف في لبنان أن تفكر في كيف يمكن تحديد خسائر كارثة حرب غزة، وليس الرهان على الاستثمار فيها.
الأمر الثاني يتعلق بعامل غاية في الأهمية، وهو أنه إذا كانت الأولوية خلال العامين الماضيين هي إنهاء الشغور الرئاسي، فإن الأولوية خلال الأسبوعين المقبلين هي إنهاء حالة الاستمرار في وضع حكومة تصريف الأعمال، والدخول في مرحلة نظام حكم ديموقراطي كامل الأوصاف؛ وهذا يحتم تشكيل الحكومة وانطلاق عجلة الدولة.
أهم سلاح لدى نتنياهو على الساحة الفلسطينية هو قوله أنه لا يوجد هناك قرار سياسي فلسطيني موحد؛ وأهم سلاح بيد نتنياهو اليوم وأمس على الساحة اللبنانية، هو القول أنه لا يوجد في لبنان لا دولة ولا حكومة ولا أفق لبناء دولة..
خلاصة القول في هذا المجال هو أن المكان الوحيد الذي يمكن لكل اللبنانيين الاستثمار فيه حالياً، هو الإسهام في تشكيل حكومة العهد الأولى… أما ما هو متخيل عن استثمارات أخرى، فهي جميعها تؤدي لنتيجة واحدة، وهي الاستثمار في الكارثة.