خاص الهديل…
قهرمان مصطفى..
منذ أن تولى دونالد ترامب الثاني – نسبة لولايته الثانية – رئاسة الولايات المتحدة، بدأ بتبني سياسات ذات طابع توسعي مفعم بالتهديد والوعيد، متخلياً عن نهج دبلوماسي يعزز من العلاقات الدولية لصالح سياسات أكثر صدامية؛ ففور دخوله البيت الأبيض، أطلق العديد من التصريحات المدوية التي حرضت على التوترات مع دول متعددة حول العالم. حيث بدأ ترامب بتوجيه تهديدات صارخة لدول جارة، بدأها بتهديد كندا، واعتبارها ولاية أمريكية، ثم هدد باختطاف قناة بنما، ثم المكسيك وكولومبيا، وهي دول جوار للولايات المتحدة الأمريكية، ثم ابتعد بتهديداته إلى نقاط وخرائط جغرافية أخرى، وصلت للقارة العجوز أوروبا، ممثلة في الدنمارك وفرنسا، وتجاوزها إلى الصين وروسيا، والشرق الأوسط.. كل ذلك خلال أيام قليلة فقط من تنصيبه ودخوله البيت الأبيض.
والواقع أن هذه السياسة العدوانية المغلفة بالتهديد والوعيد التي أشهرها ترامب، أحدثت ردود أفعال غاضبة في العالم، وبدأ الجميع يتحسس مسدساته للمواجهة، في حشد عالمي موحد لأول مرة منذ عقود، ضد أمريكا، ورفع أصوات الاعتراض والرفض عالية، في رسالة واضحة لقاطن البيت الأبيض: “مصلحة بلادك لن تكون على أشلاء بلادنا”.
ولكن إذ ما أسقطنا السياسة التي ينتهجها ترامب على ما سار حليفه في الناتو – تركيا – سنجد أن هناك فرق شاسع فيما بينهما؛ فالنظرية السياسية التي دشنها رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، حملت عنوان “صفر مشاكل” وهي النظرية التي حققت نجاحات كبيرة لتركيا، بعدما تخلت عن النزاعات والمشاكل سواء مع جيرانها أو كل محيطها الإقليمي، وجنت على اثرها نجاحات اقتصادية كبيرة من خلال علاقات قوية قائمة على الاحترام وعدم التدخل فى شؤون الغير
ومن هذا المنطلق فإن مبدأ “صفر مشاكل” كان من أكثر المبادئ التي يُشار إليها في السياسة الخارجية التركية، ونموذجاً مثالياً بكل ما تعنيه الكلمة، وتغييراً واضحاً في نهج وعقلية السياسة الخارجية التركية، ولم تعد المشاكل المزمنة تهيمن على أجندة السياسة الخارجية التركية مع الدول المجاورة لها، والتي استنفدت طاقاتها في علاقاتها الدولية والإقليمية.
والواقع أنه إذا ما تم مقارنة هذا النهج بسياسات ترامب التوسعية، نجد أن هناك تبايناً واضحاً في الرؤى. فبينما كانت سياسة “صفر مشاكل” تقوم على تعزيز التعاون وتجنب النزاعات، كانت سياسة ترامب تقوم على إحداث توترات وصراعات بغية تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب الاستقرار الدولي. ترامب، مع شعاره “لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، اعتمد على فكرة القوة المفرطة، وكان يسعى لإعادة ترتيب موازين القوى لصالح الولايات المتحدة حتى وإن تطلب ذلك خلق أزمات جديدة. هذه المقاربة كانت تتعارض مع معايير العلاقات الدولية السائدة، ما أدى إلى تصاعد الرفض العالمي لسياساته.
نهاية القول في هذا المجال.. قد يكون الوقت قد حان لتقييم السياسات التوسعية التي اعتمدها ترامب وأثرها على العلاقات الدولية بشكل أعمق، حيث أن الاستمرار في هذا الاتجاه قد يؤدي إلى نتائج غير محمودة على المدى الطويل، ليس فقط للولايات المتحدة ولكن أيضاً لمصالح الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم.