خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
حدثت أمس أول مواجهة بين الرئيس نبيه بري والرئيس المكلف نواف سلام. حدث ذلك تحت عيني رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون. بدا الموقف أشبه بعوارض مبكرة لمرض يتم اكتشاف احتمالاته الخطرة للتو. الانطباع الأول والسريع هو أنه يتوجب المبادرة لمعالجة نتائج استفحال أن يصبح هناك مرض مزمن في العلاقة بين الرئيس الثاني والرئيس المكلف الذي سيصبح الرئيس الثالث بعد تشكيل الحكومة. وهذه المهمة تقع بشكل طبيعي على عاتق الرئيس الأول الأكثر تضرراً من هذا الخلاف بين رئيس الحكومة العتيدة ورئيس البرلمان القائم. ولكن مشكلة الرئيس جوزاف عون أن الخلاف يحدث على آخر مطلب يقدمه بري بموضوع تشكيل الحكومة، وأول رفض يبديه الرئيس المكلف سلام بخصوص حصة الثنائي الشيعي في الحكومة. لقد أمكن خلال الأسابيع الثلاثة الماضية حل أزمة وزارة المال؛ والآن تظهر أزمة الوزير الشيعي الخامس.. تبدو الأزمة الأخيرة أكثر تعقيداً؛ والسبب أنها أزمة لها صفة ميثاقية وذلك على الأقل حسبما يتم وصفها. الرئيس المكلف أول أمس كان من خلال بيانه المكتوب الذي تلاه من قصر بعبدا، قد مهد لموقفه كطرف في الخلاف الذي حصل أمس بينه وبين بري في قصر بعبدا أيضاً. قال سلام في بيانه أول أمس لن أسمح بتعيينات في الحكومة تسمح بتفجيرها أو تعطيلها من داخلها. ظن البعض أنه يقصد العودة عن موافقته بخصوص توزير ياسين جابر في وزارة المال، ولكن يوم أمس ظهر أنه يقصد الوزير الشيعي الخامس الذي يجب من وجهة نظره أن لا يكون له علاقة قريبة أو بعيدة بالثنائي الشيعي حتى يتم ضمان نزع سلاح إسقاط الحكومة برصاصة الميثاقية الشيعية في حال اعترض الثنائي على قرار حساس ومهم تتخذه حكومة نواف سلام.
بمقابل إصرار نواف سلام على معيار عدم ترك مسدس الميثاقية على وسط بري وحزب الله؛ سوف تقفز إلى رأس أبو مصطفى أسئلة من نوع: ما هي هذه القرارات الحكومية التي يتحسب لها الرئيس سلام، ويخشى منذ الآن أن يستعمل ضدها الثنائي الشيعي سلاحه الميثاقي؟؟.
منطقياً هناك نوعان إثنان من هذه القرارات التي يمكن للثنائي أن يرفع بوجهها بطاقة تهديد الحكومة بإسقاطها بالميثاقية الشيعية: الأول هو أن تتخذ الحكومة قراراً بتنفيذ الـ١٧٠١ في شمال الليطاني. والثاني هو قرار لا يمكن توقع ملمحه اليوم ولكن يمكن عدم استبعاده؛ والمقصود هنا أن يقرر ترامب وفق طريقته وبشكل مفاجئ وبخلال لحظة معينة، دفع حكومة نواف سلام لتبني قراراً يشكل خطورة من وجهة نظر الثنائي!!.
إذن يريد بري من وجهة نظره أغلب الظن، الحصول على ميثاقية شيعية داخل الحكومة يواجه بها – قدر المستطاع – “غدرات الزمن الترامبي” غير المعروفة ولكنها غير المستبعدة.
.. ويمكن للمراقب أن يعتقد أن الظروف الراهنة والأحداث الكبرى تجعل بري يمارس طريقة في التفكير تندرج كالتالي:
أولاً- يعتقد بري أن الحرب الإسرائيلية على لبنان وعلى حزب الله وعلى الديموغرافيا الشيعية لم تنته بعد. فلا أحد على وجه الأرض يعرف ما هي نوايا نتنياهو الحقيقية في لبنان من جهة؛ ولا كيف يمكن أن يتصرف ترامب حيال نوايا نتنياهو وحيال قضايا المنطقة وبضمنها لبنان من جهة ثانية. وبنفس الوقت يدرك بري أن سلاح الميثاقية الشيعية داخل حكومة سلام لا يشكل رادعاً بوجه نتنياهو ولا ترامب في حال كان لديهما المزيد من النوايا السيئة ضد الحزب وضد الشيعة؛ ولكن بري بالمقابل يعتقد أن عليه فعل ما يجب عليه القيام به تجاه حماية بيئته بغض النظر عن الجدوى العملية التي ستنتج عن ذلك.
يدرك بري أيضاً وعلى مستوى آخر، أن التهديد بإسقاط الحكومة بسلاح الميثاقية الشيعية تم تجريبه سابقاً ولم يكن ناجعاً، بل أدى لحل سلبي (٧ أيار)؛ ويدرك بري أيضاً أن التعطيل الحكومي لم يعد له معنى ديموقراطي داخلي بل بات له معنى دولي خارجي مكلف وغير مسموح به؛ وعليه يعرف أبو مصطفى جيداً أنه لن يستعمل السلاح الميثاقي لإسقاط الحكومة؛ ولكنه مع ذلك يريد الحصول عليه ليضعه على وسط الطائفة الشيعية المحتاجة لتعويض في هذا المجال.
وعلى طريقة أن القنبلة النووية يتم انتاجها للتحسب من أمر مستبعد؛ وتحت عنوان أن أول أهداف نيل هذه القنبلة النووية هو عدم استعمالها؛ فإن بري يريد الحصول على القنبلة النووية الحكومية الميثاقية كي يهدد بها تحسباً من أمر قد يحدث نظراً لأن اللحظة ترامبية و”بيبية” (نسبة لنتنياهو)، ولكن من أول أهداف الحصول على هذه القنبلة الميثاقية الشيعية بحسب عقيدة بري، هو عدم استعمالها..
ما تقدم حول عقدة الوزير الشيعي الخامس يؤشر إلى أن أزمة الشيعة والدولة لا تزال متوقفة عند نقطة عدم الثقة.. المسألة أبعد من سلاح تملكه طائفة هو خارج سلطة الدولة التي هناك أصلاً شك بوجودها. المسألة تتعلق بأزمة وجود طوائف على خط تماس ملتهب داخلي وإقليمي ودولي.. ويتم تسويق هذه المخاوف على أنها توزيعة محاصصة بين الطوائف القلقة كل منها لأسبابها: الشيعة قلقون ليس فقط من نتائج حرب غزة وحرب إسنادها بل من تتمات هذه الحرب الديموغرافية وحتى العسكرية؛ الدروز قلقون من جنوب سورية؛ والسنة قلقون من السباق المرعب بين تحربة أحمد الشرع وبين تجربة القاعدة والإخوان المسلمون وداعش وحماس، الخ… والمسيحيون قلقون من إمكانية أن يقضي حريق ظروف ومستجدات المنطقة على فرصة عهد فخامة الرئيس اللبناني والرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة.
إنها لحظات قلق الطوائف، وذلك في ظل أن نواف سلام لديه قلقه الخاص به، وهو قلق عزف سمفونية توزيع معايير حديثة على فكرة المحاصصة القبلية الطائفية القديمة؟؟!!