خاص الهديل…
قهرمان مصطفى
ربما ردة فعل العالم العربي والإسلامي الأولية على مقترحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن غزة هو رفضها التام لها؛ باعتبارها غريبة – منفصلة عن الواقع، ومستفزة بشكل خطير، وغير قانونية، وغير مبالية بإنسانية الفلسطينيين.
في الواقع، فإن مقترحات ترامب تحمل كل هذه الصفات؛ ولكن بما أننا ندرك أن هذا الرئيس ليس شخصاً عادياً، فإنه من الحكمة الافتراض بوجود “أسلوب خاص به”، كما فعل خلال سلسلة الأوامر التنفيذية المفاجئة التي أربكت خصومه ووسائل الإعلام التي حاولت فهم نواياه؛ والواقع أن المنطق ذاته يمكن أن يكون وراء تصريحاته بشأن غزة.. وعليه فإن هذا المنطق يتكون من عنصرين أساسيين: الأول هو إرباك خصومه وإضعاف معنوياتهم، والثاني هو تشتيت انتباههم، تماماً كما يحدث في ألعاب الخداع في الكرنفالات، حيث يتم تحويل الأنظار عن القضايا الحقيقية والانشغال بالأوهام التي تُصنع.
ومن هذا المنطلق، لا يمكن التصور أبداً أن ترامب يعتزم إرسال قوات أميركية للسيطرة على غزة وطرد 1.5 مليون فلسطيني بالقوة. كما أنه لن يستطيع إجبار الأردن ومصر على استقبال هؤلاء الفلسطينيين وإعادة توطينهم بشكل دائم؛ والواقع أن جميع هذه الأفكار بعيدة عن المنطق، وهي خطيرة للغاية لدرجة أنه من غير المعقول أن يسعى هذا الرئيس، الذي يعلن أنه يريد إبقاء أميركا بعيدة عن الحروب وجلب السلام إلى الشرق الأوسط، إلى تنفيذ أي منها.
الواضح أن ترامب، ربما يكون هدفه الرئيسي من خلال هذا المقترح هو صرف الأنظار عن القضايا الحقيقية من خلال خطة غريبة تتعلق بغزة، ولكن بدلاً من الوقوع في هذا الفخ، يجب التركيز على القضايا الواقعية والعاجلة. وما يجب تسليط عليه في هذا المجال، هو أنه بدلاً من قضاء ساعات طويلة في تحليل تصريحاته أو نقد خطته أو الاستعداد لتنفيذها (وهذا ما يهدف إليه بالضبط)، يجب علينا تجاهل هذه التصريحات والتركيز على الأمور الأكثر إلحاحاً؛ أي بات من الضروري الحفاظ على الهدنة الهشة في غزة، ويجب أن تنتقل الأطراف إلى المرحلتين الثانية والثالثة من هذه العملية. وكل هذا يتطلب استمرار الضغط من أجل انسحاب إسرائيل من غزة، ووضع خطط لإعادة الإعمار. كما يتطلب توجيه الاهتمام إلى ضرورة وقف التصعيد في الضفة الغربية، والتعامل مع العنف الإسرائيلي القمعي.
في الواقع، لا يرغب الرئيس ترامب ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أن يتحرك العالم في هذه القضايا العاجلة؛ بل إنهما يسعيان إلى المزيد من إحباط الفلسطينيين وإثارة الفوضى في الدول العربية. كما يهدفان إلى أن ينقضي الوقت في المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار؛ وهذا ما سيمكن نتنياهو من استئناف حربه لتحقيق ما يصفه بـ”النصر الكامل” في غزة، مما يضمن بقاء ائتلافه الحاكم واستمرار بقائه في السلطة.