خاص الهديل..
كتب بسام عفيفي
أكثر من دراسة جادة صدرت عن مراكز أبحاث إسرائيلية وازنة وصفت تصريحات نتنياهو بخصوص إقامة دولة فلسطينية في السعودية بأنها تمثل “خطأ استراتيجياً” بمثلما أنها تمثل من جانب آخر “نكتة سخيفة”.
والفكرة هنا كما بدت لباحثين إسرائيليين جديين هو أن نتنياهو حينما خطر له أن يدعو لإقامة دولة فلسطينية في السعودية لم يكن في حالة اتزان سياسي أو إدراكي؛ ولذلك لا يمكن إيجاد وصف لما فعله إلا من خلال وضع تصرفه هذا داخل عنوانين إثنين: العنوان الأول أنه أقدم على “خطأ استراتيجي” ذلك أن الدولة التي استهدفها هي ركن إقليمي كبير في المنطقة؛ والعنوان الثاني هو أن نتنياهو بدا كمن يتفوه “بدعابة سخيفة” لا تستحق حتى التعليق عليها ببسمة ازدراء.
.. إلى هنا ما ورد داخل إسرائيل ذاتها بخصوص التعليق على تصريح نتنياهو من حيث الشكل والانطباع العام؛ أما بالعمق فإن الرد على نتنياهو جاء من السعودية ومن العالمين العربي والإسلامي ودول العالم أجمع؛ وكل هذه الردود أدانت تصريح نتنياهو الأخرق وبينت أن المملكة العربية السعودية قامة إقليمية وعربية وإسلامية وأممية كبيرة ولا يمكن هز هيبتها من خلال مثل هذه الترهات الصادرة عن رجل يبحث عن مخارج له من أزمته كمجرم حرب، وكمتهم يقف على عتبة السجن نتيجة ارتكابات فساد قام بها، ونتيجة أخطاء ارتكبها بحق “أمن إسرائيل” بحسب مصطلحات المجتمع السياسي الإسرائيلي.
.. ولكن أبعد من كل هذا مع وجاهته يجدر هنا التوقف عند ثلاثة آفاق كشفت عنها موجة التحليلات التي علقت على خلفيات وأبعاد تصريح نتنياهو حول إقامة دولة فلسطينية في السعودية:
الأفق الأول كشف أن نتنياهو أدلى بتصريحه عن إقامة دولة فلسطينية في السعودية لسبب أساسي يضمره وهو محاولته تنفيذ مناورة ضد الرياض هدفها توجيه حرب إعلامية وضغوط نفسية ضدها من أجل ثنيها عن الاستمرار في طرح معادلتها الذهبية التي تفيد بأن ثمن قبولها التطبيع مع إسرائيل هو قبول إسرائيل ليس اللفظي بل العملي بحل الدولتين؛ أي موافقتها على إقامة الدولة الفلسطينية بحسب المقترح الذي جاء في المبادرة العربية التي أعلنتها الرياض في قمة بيروت العربية..
قصارى القول هنا هو أن نتتياهو يدرك أن الجهة الأساسية في المنطقة والعالم التي تملك ورقة ضغط فاعلة على إسرائيل لجعلها تقبل بحل الدولتين هي المملكة العربية السعودية؛ وعليه فإن المطلوب من وجهة نظر نتنياهو، ممارسة أضخم مناورة نفسية ضد الرياض كي تتخلى عن مطلبها بمقايضة التطبيع بالدولة الفلسطينية، وذلك عبر رمي كرة النار (أي الدولة الفلسطينية)، كما يتصورها نتنياهو، إلى حضن الرياض ما يجعلها تتخلى عن كل فكرة حل الدولتين، وما يجعلها تنشغل بكيفية إبعاد إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية فوق أرضها وبين ظهرانيها، بدل انشغالها بكيفية إقامتها فوق التراب الفلسطيني المحتل.
الأفق الثاني يستكمل الأفق الاول ويجيب عليه، وهو يظهر بوضوح أن فكرة مناورة نتنياهو هذه، بائسة وهزيلة وتظهر ضحالة خياراته بمواجهة إصرار السعودية على حل الدولتين، وإيضاحها بثقة أنه لا تطبيع مع إسرائيل؛ وأنه لا إمكانية لتنفيذ خطة واشنطن بخلق اندماج اقتصادي إقليمي في المنطقة من دون أن يسبق ذلك، أو على الأقل، من دون أن يتزامن ذلك مع الشروع بحل الدولتين.
إن ما يربك نتنياهو هو أن مواقف السعودية تملك رصيداً دولياً وإقليمياً وعربياً وإسلامياً استراتيجياً؛ بمعنى أنها حينما تطالب بدولة فلسطينية فإن مطلبها هذا يتحول إلى معادلة داخل توازنات المنطقة السياسية، وداخل شبكة مصالح الدول الكبرى في المنطقة؛ وعليه فإن اليمين الإسرائيلي المسيطر على القرار في تل أبيب والمهيمن على جزء من إدراة ترامب وعلى كل صناعة قرار الرأي العام الأميركي، يكتشف الآن أن العقبة الكأداء بوجه تمكنه من القفز عن حاجز تلبية الحق الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية، هي السعودية التي تملك مكانة تستطيع من خلالها أن تقيم توازناً بين القدرات الصهيونية من جهة والحقوق للفلسطينية من جهة ثانية.
الأفق الثالث يتعلق بمكانة السعودية في مجال توحيد القرار العربي والإسلامي وتظهيره على أنه سلاح استراتيجي وليس مجرد منصة إعلامية صوتية. وهذا ما ظهر ويظهر الآن بوضوح وذلك بمناسبة قيادة السعودية العالمين العربي والإسلامي للرد على تغول إسرائيل ونتنياهو.