خاص الهديل…
كتب بسام عفيفي
ترسم التطورات الجارية في المنطقة علامات استفهام كبيرة حول ما إذا كانت حرب غزة سيكون لها تتمة من التوترات العميقة على الساحتين الإقليمية والدولية. والسبب في ذلك هو المقاربة الخاطئة التي يعتمدها الرئيس الأميركي ترامب بخصوص الإجابة عن سؤال خطر وكبير وهو كيف يتم مسح آثار الكارثة التي تسبب بها العدوان الإسرائيلي على غزة؛ وكيف يمكن أخذ المنطقة إلى الاستقرار من خلال مقاربة عادلة للقضية الفلسطينية؟؟.
هذه الأسئلة التي هي مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط أجاب عنها ترامب على نحو صادم حينما أعلن أن مسح آثار الكارثة في غزة يتم من خلال تهجير أهل غزة وأن حل القضية الفلسطينية يتم عملياً – حسب اقتراحه – بتصفية القضية الفلسطينية، وذلك من خلال إقامة دولتهم على أرض ليست أرضهم؛ أي في مصر أو في السعودية أو جعل الأردن حسب سموتريتش وطناً بديلاً للفلسطينيين.
وفي إطار إنجاز وبلورة رد عربي استراتيجي وفعلي وسريع على هذه التحديات الخطرة التي جمعت رأسي ترامب ونتنياهو فوق وسادة واحدة؛ قررت مصر الدعوة إلى قمة عربية في القاهرة في ٢٧ الشهر الجاري لمناقشة موضوع غزة والقضية الفلسطينية وكيفية الرد على ما يحيط بهذا الموضوع من تطورات مستجدة تمثلت بتصريحات ترامب بخصوص ترحيل الفلسطينيين من غزة وربما من الضفة الغربية إلى مصر والأردن؛ وأيضاً بخصوص تصريحات نتنياهو حول إنشاء دولة فلسطينية في السعودية.
الخطوة الثانية ضمن الرد العربي الاستراتيجي على تطورات قضية مستقبل غزة والتي واكبت تحرك مصر، والرئيس السيسي، تمثلت بالزيارة التاريخية التي يقوم بها حالياً الملك الأردني عبد الله بن الحسين إلى الولايات المتحدة الأميركية، والتي بخلالها نقل العاهل الأردني لترامب عدم قبول العرب بفكرة تهجير أهل غزة؛ وأعلمه بأن العرب سيتخذون موقفاً مشتركاً في ٢٧ الشهر الجاري في القاهرة وسيعلمونه به.
إن الموقف العربي الذي سيتبلور في القاهرة يوم ٢٧ الشهر الحالي يتميز بالعقلانية وبالصلابة بنفس الوقت، وهو سيشتمل على مقدار من الحكمة المعروفة لدى الزعيمين المصري والأردني؛ وبحسب مراقبين مطلعين فإن الموقف العربي لن يهدف للصدام مع واشنطن كما يرغب نتنياهو؛ بل يهدف إلى إنشاء طاولة تفاوض حقيقية وليست مرتجلة بين العرب مجتمعين وبين إدارة ترامب حول العودة لحل الدولتين وذلك من أجل استقرار مستديم في المنطقة.
إن تكامل جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي مع العاهل الأردني عبد الله بن الحسين المتقاطعة مع مواقف وجهود الأمير محمد بن سلمان في هذا المجال – تضافر هذه المواقف الثلاثة تشكل قوة دفع كبيرة ستؤثر على ترامب لجعله يعود لجادة الصواب بخصوص ما يحب فعله لحل القضية الفلسطينية من جهة؛ وبخصوص إقناع إدارة ترامب بأن عليها التنبه لضرورة عدم التماهي مع مطالب اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي لا يريد استقراراً في المنطقة بل إدامة حالة الحرب والصراع توصلاً لتصفية القضية الفلسطينية وفرض سياسات الأمر الواقع على العرب.
إن هدف زيارة القمة مع ترامب التي يجريها حالياً ملك الأردن عبد الله هو قطع الطريق على اللوبي الصهيوني اليميني المتطرف وعلى نتنياهو من الاستثمار على نحو مجنون وعدواني في دعم ترامب لإسرائيل؛ فالملك عبد الله يدرك أنه لا يمكن وقف الدعم الأميركي لإسرائيل بالمطلق؛ ولكنه يدرك وكذلك الرئيس السيسي أن حل معضلة دعم واشنطن لتل أبيب لا يتم بإعلان الحرب على أميركا وإدارة الظهر لها، بل بتنظيم حملة دبلوماسية عربية موحدة وهادفة من أجل إقناع ترامب بلغة المصالح بأنه لا يوجد مصلحة لإدارته بدعم مخططات اليمين الصهيوني الإسرائيلي المتطرف في الشرق الأوسط.
واضح أن السياسة العربية مستنفرة للحد الأقصى في هذه اللحظة وهي منقادة من حيوية العاهل الأردني ومن حكمة الرئيس السيسي ومن مكانة خادم الحرمين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. والواقع أن هذا المثلث الذهبي يسير بقوة لتحقيق وحدة الموقف العربي في قمة ٢٧ فبراير الحالي، ويتزامن ذلك مع قيام الملك الأردني حالياً بتمهيد المسرح الأميركي لبدء الحوار العربي الأميركي الاستراتيجي لإحقاق الحقوق الفلسطينية بدل تصفيتها..
.. والحق يقال أن جهود القاهرة والأردن والرياض الراهنة تشكل عهداً جديداً وميموناً في تاريخ العمل العربي المشترك.
وما هو مطلوب اليوم هو دعم الشعوب العربية للقاء توحد موقف العرب يوم ٢٧ الشهر الجاري في القاهرة من جهة، والثقة من جهة ثانية بالإعلان الذي سيقول فيه العرب في القاهرة يوم ٢٧ فبراير عن ما يريده العرب في فلسطين لإحباط خطط تل أبيب داخل البيت الأبيض وفوق التراب الوطني الفلسطيني سواء في غزة أو في الضفة الغربية.