خاص الهديل…
شهدت الأيام الماضية اشتباكات عنيفة على الحدود السورية اللبنانية، وخاصة في منطقة القصير والمناطق المجاورة لها، حيث استهدفت القوات السورية مجموعات مسلحة تتحصن في المنطقةُ؛ بحيث تُعتبر مدينة “القصير” نقطة استراتيجية على الطريق بين بيروت وطهران، وكانت تحت سيطرة القوات الداعمة للنظام السوري في وقت سابق، واستخدمت كممر رئيسي لتهريب الأسلحة والمخدرات.
هذه الاشتباكات تأتي في سياق الأحداث الأخيرة على الحدود اللبنانية السورية التي تمتد لحوالي 375 كيلومتراً، وهي إحدى القضايا الشائكة في علاقات البلدين؛ ولكن ما يميز هذه الحدود هو أنها لم تُرسم بشكل كامل، مما يترك بعض الأجزاء غير معترف بها رسمياً، وخاصة في منطقة مزارع شبعا التي لا تزال نقطة نزاع قائمة.
بدورها تسعى الإدارة السورية إلى ضبط الحدود بشكل أكبر في إطار جهودها لمكافحة تجارة المخدرات وتهريب الأسلحة التي تنشط في بعض المناطق الحدودية؛ فمن وجهة نظرها، تُعد هذه التحركات ضرورية لمكافحة العصابات التي تهدد الاستقرار الأمني في المناطق الحدودية، سواء داخل سوريا أو في لبنان. وتؤكد الإدارة السورية أن عملياتها الأمنية تركز على القضاء على هذه الشبكات وتدمير مراكزها في القرى الحدودية، وأن الهدف هو استعادة السيطرة على مناطق كانت خارجة عن نطاق السيطرة، وليس التصعيد العسكري مع لبنان.
على الجهة المقابلة، يُعتبر “حزب الله” أحد اللاعبين الرئيسيين في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، وله حضور قوي في العديد من القرى الواقعة بالقرب من الحدود؛ حيث يرى الحزب أن الوضع الحالي على الحدود يشهد تهديدات أمنية تستهدف مواقعه، ويعبر عن استياءه من أي محاولات للحد من تحركاته في تلك المنطقة، حيث يعتبر أن ضبط الحدود يأتي أحياناً على حساب مصالحه في المنطقة. لكن الحزب، في الوقت ذاته، يؤكد على استعداده للتعاون مع الأطراف المعنية لضبط الحدود ومكافحة تهريب المخدرات، مع الحفاظ على الأمن والاستقرار في المناطق التي يشرف عليها.
أما بالنسبة للدولة اللبنانية، فهي تتابع التطورات الحدودية عن كثب، إذ يعتبر الجيش اللبناني نفسه في موقف حساس حيث يُطالب بالحفاظ على استقرار لبنان الداخلي دون التورط في أي تصعيد عسكري مع سوريا. ويرى مسؤولون لبنانيون أن التعاون مع الجار السوري في ضبط الحدود يُعد أمراً ضرورياً للحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، هناك بعض المخاوف من تأثير أي تحركات عسكرية على الأراضي اللبنانية من الجانب السوري، خاصةً إذا أسفرت عن أضرار في المناطق اللبنانية الحدودية.
ولكن الحديث بشكل أعمق عن هذه الاشتباكات المستمرة على الحدود السورية اللبنانية فهناك سببين رئيسيين وراء:
أولاً مشكلة التهريب على الحدود؛ فقد كانت شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات تنشط على جانبي الحدود، وكانت هذه الشبكات تدر أرباحاً ضخمة. ولكن مع تزايد الضغوط الأمنية على الطرفين، أصبح هناك ضغط أكبر للحد من هذه الأنشطة. هذا دفع إلى اندلاع مواجهات جديدة في محاولة لإيقاف شبكات التهريب هذه.
ثانياً النفوذ الإقليمي والضرورات العسكرية ، حيث تُعد مدينة القصير نقطة حيوية على الطريق بين بيروت وطهران، وقد ظلت تحت سيطرة جهات إقليمية على مدى سنوات، مما جعلها نقطة استراتيجية للنقل والتهريب. ومع التحركات العسكرية الأخيرة، يبدو أن هناك محاولات جادة لضبط هذه المناطق بشكل أفضل.
في هذا الإطار يبدو أن التحركات العسكرية على الحدود بين لبنان وسوريا لا تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل تحمل أيضاً دلالات سياسية وعسكرية واسعة. فمع وجود رغبة إقليمية ودولية في ضمان الاستقرار، فإن هذه التحركات قد تساهم في تقليص النفوذ العسكري والسياسي في المنطقة، مما قد يفتح المجال أمام مرحلة جديدة من الاستقرار في لبنان والمنطقة بشكل عام.