خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
آخر ما كانت تريده حكومة نواف سلام هو أن تواجه في بداية طريقها أزمة من النوع الذي واجهته ليلة أمس حينما تعذر لأسباب معروفة هبوط طائرة إيرانية على متنها مسافرون لبنانيون في مطار رفيق الحريري الدولي. ولكن ظروف المنطقة ونتائج حرب طوفان الأقصى سواء على غزة أو على لبنان أو حتى على المنطقة، رسمت موازين قوى جديدة جعلت كل دول المنطقة تشعر بأنها في حالة إرباك ومواجهة لا تريدها مع تطورات خطرة وغير محتسبة وغاية في التعقيد؛ أضف أن توازناتها مثقلة بالمخاطر..
هذا ما يحدث الآن مع مصر التي دعاها ترامب للقبول ليس فقط بتهجير أهالي غزة بل بالمشاركة في تهجيرهم من خلال استيعابهم.. وهذا ما يحدث مع المملكة الأردنية التي يدعوها ترامب أيضاً ليس للإسهام بحل القضية الفلسطينية بل بتصفية القضية الفلسطينية وذلك على حساب أمنها الكياني والديموغرافي.. ونفس الحال يمكن عكسه على السعودية التي صرح نتنياهو بأن الدولة الفلسطينية يجب أن تقام فوق أرضها.. وضمن نفس هذا السياق يمكن النظر إلى الضغوطات الاميركية المصحوبة بتهديدات إسرائيلية للبنان ولمطاره الدولي الوحيد.
قصارى القول في هذا المجال أن المنطقة تعيش فعلياً حرب نتائج حرب غزة؛ وهي حرب يشارك فيها الرئيس ترامب.. ولعل أخطر ما في هذه الحرب هو أن يكون نتنياهو قد أقنع ترامب خلال لقائهما الاخير بأن يجعل حرب نتائج حرب غزة هي جزء من حربه الأممية الجارية التي يشنها (أي ترامب) على الجميع تقريباً في العالم.. وإذا صح ذلك فإن مطار بيروت سيصبح هدفاً محتملاً لترامب كما أن مطاردته للمهاجرين المكسيكيين والبضائع الصينية إلى أميركا وتصحيح الميزان التجاري بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، هي أهداف ترامبية مستهدفة!!.
والواقع أن حكومة نواف سلام لن تجد راحة خلال الفترة القادمة فيما لو رفضت إسرائيل الانسحاب الكامل من جنوب لبنان يوم ١٨ شباط؛ بل الكلام الادق هو أن حكومة نواف سلام ستواجه متاعب صعبة فيما لو تبين لها أن ترامب وافق نتنياهو على بقاء احتلاله للبنان إلى ما بعد تاريخ ١٨ شباط الذي ضربه ترامب لإسرائيل.
والفكرة هنا هي أنه لا يمكن النظر لموعد ١٨ شباط على أنه تاريخ يستوي في دلالاته مع التاريخ الذي سبقه كموعد لانسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وحنف به نتنياهو؛ لأن قبل ١٨ شباط كان الجميع يعتقد أنه توجد معادلة نتنياهو مع بايدن؛ أي معادلة ضعف البطة العرجاء الأميركية (بايدن) بمقابل إسرائيل ورئيس حكومتها الأقوى (أي نتنياهو)؛ أما بعد ١٨ شباط فإن الجميع يعتقد أنه توجد معادلة نتنياهو الضعيف بمقابل ترامب المتصف بأنه أقوى رئيس يقيم في الييت الأبيض منذ نهاية الحرب الباردة حتى الآن.
وفي حال ثبت أنه يتوجب قراءة موعد ١٨ شباط وفق نظرة نتنياهو له وليس وفق وزن ترامب المفترض فيه؛ فهذا يعني عملياً أن نتنياهو بدأ ينجح بأخذ ترامب ليصبح في علاقته مع تل أبيب يشبه لحد غير قليل بايدن الضعيف الذي اعتاد نتنياهو أن يكسر قراراته وخطوطه الحمر ومواعيده السياسية في لبنان وفي غزة وفي الضفة، الخ..
وجرياً وراء هذا السياق يتمظهر احتمال ثان وهو الأخطر ومفاده أن بايدن كان يلحق بنتنياهو ويتبع قرارته؛ فيما يلاحظ الآن أن ترامب هو الذي يسبق نتنياهو بالتصعيد في غزة، ويسبقه بالتصعيد مع لبنان من خلال تغطية عدم انسحابه للمرة الثانية من الجنوب بحسب موعدين محددين مسبقاً من واشنطن ذاتها..
.. وعليه هناك خشية يجب أن تساور لبنان من أمرين إثنين:
الأمر الأول أن يظهر فجأة أن ترامب سيكون مع نتنياهو بخصوص قضايا المنطقة التي بينها لبنان، هو بايدن ٢ وليس الرئيس الأميركي القوي الذي يخلف الرئيس الأميركي الضعيف.
الأمر الثاني هو أن يكون هناك توجه أميركي لتغيير هوية الهيمنة الإقليمية في المنطقة بدل إزالتها؛ أي أن واشنطن تسعى لاستبدال هيمتة إقليمية بهيمنة أخرى. وهذا يعني أن صداع لبنان سيستمر بغض النظر عن طبيعة تشخيص صداعه!!.