د. حمد الكواري:
الأمم المتحدة بحاجة إلى إصلاحات،
والحل بالمشاركة الفاعلة في تحسين أدائها وتعزيز فاعليتها
”إن الأمم المتحدة لم تُنشأ لأخذ البشرية إلى الجنة، بل لانقاذها من الجحيم”
داغ همرشولد
“الأمم المتحدة كانت وسيلة حيوية لتعزيز الحرية والمساواة بين الأمم”
نيلسون مانديلا
تناقلت وكالات الأنباء مشروعًا مطروحًا في الكونغرس الأمريكي يدعو إلى انسحاب الولايات المتحدة من الأمم المتحدة.
كأحد أبناء الأمم المتحدة، حيث تشرفت بتمثيل بلادي في المنظمة الأممية لعدة سنوات فعرفتها عن قرب، وآمنت بدورها وتطلعت دائما إلى معالجة نواقصها وتعزيز مكانتها، أشعر بقلق بالغ إزاء هذه الخطوة التي تحمل في طياتها مخاطر جسيمة على النظام الدولي، وعلى استقرار العالم بأسره، وخاصة على الدول الصغيرة التي تعتمد على النظام متعدد الأطراف لضمان أمنها وتنميتها.
على مدى العقود الماضية، لعبت الأمم المتحدة دورًا لا غنى عنه في حفظ السلام، وتعزيز التنمية، وحماية حقوق الإنسان، ومواجهة التحديات، من الأوبئة إلى تغير المناخ. صحيح لم تكن المنظمة مثالية، ولكن لا يمكن إنكار دورها في منع الحروب، وتقديم المساعدات الإنسانية، وتوفير منصة للدبلوماسية والحوار بدلًا من المواجهة والصدام.
انسحاب الولايات المتحدة، باعتبارها دولة محورية في النظام الدولي، سيؤدي إلى فراغ استراتيجي هائل، مما قد يشجع على تفكك النظام متعدد الأطراف، ويقوض الجهود الجماعية لمواجهة التحديات العالمية. كما أنه سيلحق ضررًا كبيرًا بالدول الصغيرة التي تعتمد على الشرعية الدولية والقانون الدولي لحماية سيادتها، وللحصول على الدعم التنموي والإنساني.
إن هذا المشروع لا يهدد فقط الأمم المتحدة، بل يهدد الدور القيادي للولايات المتحدة نفسها، التي طالما كانت أحد الركائز الأساسية في بناء النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. إن الانسحاب يعني التخلي عن هذا الدور، وترك الساحة الدولية لقوى أخرى قد لا تتبنى نفس المبادئ والقيم التي قامت عليها الأمم المتحدة.
يجب أن يدرك صناع القرار في الولايات المتحدة أن العزلة والانكفاء ليسا حلًّا لمشاكل العالم، بل هما وصفة لمزيد من الفوضى والاضطراب. الأمم المتحدة بحاجة إلى إصلاحات، وهذا لا جدال فيه، ولكن الحل لا يكون بالانسحاب، بل بالمشاركة الفاعلة في تحسين أدائها وتعزيز فاعليتها.
إن انسحاب الولايات المتحدة من الأمم المتحدة ليس مجرد قرار سياسي داخلي، بل هو حدث قد يقود النظام الدولي إلى المجهول، ويعزز التوجهات الانعزالية
السؤال: هل العالم مستعد لمواجهة التبعات المحتملة لهذا التحول الكبير.