خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
تفتح مناسبة تشييع السيد حسن نصر الله الباب على ملف غريب في إسرائيل إسمه ملف موقع الاغتيال داخل النظرية العسكرية الصهيونية. وفي هذا المجال يظهر بوضوح أن إسرائيل تعتبر الاغتيال بمثابة عقيدة عسكرية لديها قائمة بحد ذاتها؛ فهي تدرجه كسلاح استراتيجي تسعى من خلاله لتحقيق أهداف كثيرة وتطلعات مختلفة.. وأبرز هذه الأهداف وفي مقدمها، هو أولاً الأخذ بالثأر بحسب تعريف الإنتقام البدائي؛ أي الإنتقام وتصفية الحساب وجعل الشخصية التي يتم اغتيالها عبرة للآخرين الذين قد يفكرون بالمس بإسرائيل أو بأمنها!!.
ثانياً- إن الاغتيال بمفهوم العقيدة العسكرية الإسرائيلية هو “قيمة” معنوية يتم توريثها من جيل لآخر داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية؛ ولعل هذا المفهوم لا يوجد مثيل له في أية مؤسسة أمنية أو دولة أخرى في العالم.
.. مثلاً؛ هناك أمر في إسرائيل إسمه مهمة ميونيخ أو مهمة غولدا مائير؛ وتفسيرها أنه إذا تعرضت جماعة أو هدف في إسرائيل لأي هجوم أسفر عن قتلى يهود إسرائيليين؛ فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عليها أن تدرج داخل هدف الانتقام رداً على هذه العملية، كل منفذي هذا الهجوم سواء المشاركين المباشرين أو غير المباشرين؛ ويجب وضع كل هؤلاء في نطاق أنهم أهداف يجب الاقتصاص منهم.. وقد يصل عدد هؤلاء المصنفين بأنهم مشاركون أو مخططون أو محرضون على تنفيذ الهجوم إلى مئات الاشخاص؛ وهنا يقود إسرائيل إلى فتح ملف خاص لعملية الرد الإسرائيلي على هذا الهجوم تحت عنوان مهمة ميونيخ التي يقوم بتنفيذها الجيل الحالي من الضباط في جهاز الأمن الإسرائيلي وفي حال لم يستطع الجيل الحالي إكمال مهمة قتل كل المشمولين كأهداف للانتقام منهم؛ يتم تسليم عملية إكمال المهمة للجيل التالي في المؤسسة الأمنية!!.
بمعنى آخر ان الانتقام – بالمفهوم الإسرائيلي – من أي شخص أو مجموعة لا ينتهي مفعوله مع مرور الوقت، بل يستمر قائماً من جيل لجيل وفق مفهوم تطبيقات مهمة ميونيخ داخل العقيدة الأمنية العسكرية الإسرائيلية.
وفوق ما تحمله عقيدة الاغتيال بحسبما تمارسها إسرائيل من معان إجرامية وانتقامية لا تعبر في كثير من الأحيان عن منطق دولة بل عن منطق عصابة؛ فإنه جرى مؤخراً إضافة عامل جديد على تطبيقاتها زاد من عدم أخلاقيتها حسبما يعترف الكثيرون من منظري الأمن حتى داخل إسرائيل؛ والمقصود هنا أن الأجهزة الأمنية الاسرائيلية بدأت تحدد الأهداف التي تريد اغتيالها عن طريق الذكاء الاصطناعي الذي ينقصه الدقة في أمرين: أولاً أنه يحدد الهدف لأسباب ووفق معايير عامة وليس لأسباب ووفق معايير دقيقة ومؤكدة، الخ..
ثانياً- لأنه عند التنفيذ يتم ضرب الهدف من دون أي اعتبار لضرورة تحاشي أن يتسبب ذلك بأضرار جسيمة لمدنيين يتواجدون إلى جانب الهدف المستهدف عند ضربه.
والواقع أن كل ما تقدم يشرح كيف ولماذا وضمن أية معايير تمارس إسرائيل عمليات اغتيال من تسميهم نشطاء وقادة في المقاومة في لبنان أو في غزة أو في أي دولة في العالم.. الفكرة الأساسية هنا هي أن إسرائيل تغتال من دون أن تحدد غالباً بدقة سبب الاغتيال الأمني أو السياسي، بل هي تحدد بدقة بالغة رسالة الإنتقام التي تريد توجيهها من وراء عملية الاغتيال؛ وهي رسالة تريد قول ثلاثة أشياء: أولاً أنها انتصرت؛ فإسرائيل تعتمد على صورة النصر لإظهار أنها حسمت الحرب لصالحها؛ ولذلك هي تحاول أن تختم أي حرب تقوم فيها بتنفيذ إغتيال كبير في نهايتها ضد شخصية مهمة أو عدة شخصيات أو جماعة داخل منطقة محددة، وذلك حتى تستخدم هذا الاغتيال الفردي أو الجماعي (مجزرة) كصورة نصر تعوض فشلها الاستراتيجي.
الأمر الثاني هو أن إسرائيل تغتال حتى تؤكد للمستوطنين فيها أنهم في أمان وأن كل العالم يخشى المس بهم؛ أي أن الفكر السياسي الذي يقود إسرائيل يعلم أن المستوطن في سريرته لا يشعر بالأمان لأنه سارق للأرض التي يقيم فوقها؛ ولذلك يجب أن يقدم له نوع من الشعور بالحماية السلبية؛ أي بأنه محمي ليس من شرعية حقه بالأرض بل من قوة دولته تجاه كل من يريد مطالبته (أي المستوطن) بإعادة الحق لأهله.
الأمر الثالث هو إظهار أنه لا خطوط حمر بوجه إسرائيل وأن لديها شرعية القتل والمس بمن تريد.. وهذا أيضاً شعور موجه للداخل حتى يطمئن وللخارج حتى يرتعب!!.