خاص الهديل…
قهرمان مصطفى…
ها هو شهر رمضان يقترب، وتبدأ نسماته تحلق في الأفق، ناشرةً عبيراً يملأ القلوب بالسكينة والطمأنينة، وكأن الكون بأسره يستعد لرحلة من الصفاء والتجدد. رمضان ليس مجرد أيام نصوم فيها عن الطعام والشراب، بل هو محطة تتيح لنا فرصة لاستعادة أنفسنا من دوامة الحياة، لنغسل أرواحنا من ثقل الأيام، وننفض عنها غبار الانشغالات، ونعيش لحظات تفيض بالرحمة والإيمان.
تبدأ الشوارع في اكتساء حلتها المضيئة، تتلألأ الفوانيس وتزدان البيوت بزينة رمضان التي تحمل في طياتها ذكرى الطفولة والحنين لأيام دافئة. تنشط المطابخ بأصوات تجهيز الإفطار، وتُرسم على الوجوه ابتسامات انتظار اللحظة التي تجمع العائلة حول المائدة، حيث لا يكون الطعام هو اللذة الوحيدة، بل تمتزج معه مشاعر الحب والألفة.
لم يأتِ هذا الاستعداد فجأة، بل بدأ منذ أسابيع، حيث انشغل الجميع بالتحضير لهذا الشهر الذي يحمل في طياته روح التجمعات العائلية والسهرات الرمضانية التي طالما غابت بسبب إيقاع الحياة السريع. تعود السهرات التي لا تقتصر على تناول السحور، بل تمتد لتشمل أحاديث الذكريات والمسامحة واللحظات الصادقة التي تعيد الدفء إلى العلاقات.
رمضان هو فرصة ذهبية لإعادة ترتيب أولوياتنا، لإحياء القيم التي قد نكون غفلنا عنها في زحمة الأيام، هو زمن تصفو فيه النفوس، وتذوب فيه الخلافات، حيث تعود صلة الرحم إلى وهجها، وتجد العائلات فرصة للالتقاء بعيداً عن مشاغل الدنيا التي تسرق منّا أوقاتنا الثمينة.
كل شيء يصبح مختلفاً في رمضان، الشوارع تنبض بالحياة، والمآذن تردد نداءات الإيمان، والأجواء تمتلئ بعبق البخور والعطور التي تزين الأمسيات؛ الجميع يستعد لاستقبال شهر يحمل بين أيامه نفحات لا نجدها في أي وقت آخر من السنة، فهو الضيف العزيز الذي يزورنا مرة واحدة، لكنه يترك أثرًا عميقًا في القلوب يدوم طويلاً.
في رمضان، لا يكون الصيام مجرد امتناع عن الطعام، بل هو استراحة من صخب الحياة، من القسوة، من الضغوط، هو لحظة تأمل حقيقية نعيد فيها النظر إلى داخلنا، ونتصالح مع أنفسنا ومع من حولنا. إنه شهر التراحم، حيث تُفتح القلوب لاستقبال المعاني النبيلة، وينتعش الأمل مع كل يوم يمر.
هكذا هو رمضان، ليس مجرد شهر في التقويم، بل هو حالة من السلام الداخلي والتجدد، هو لحظة ينتظرها الجميع بشوق، ليجدوا فيها أنفسهم من جديد، ويملأوا قلوبهم بفرح حقيقي يدوم أثره طويلاً.