خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
خلال الجمهورية الأولى (جمهورية الـ٤٣) كان يشيع القول أن لبنان لديه جارين إثنين: جار قريب وهو سورية وجار بعيد هو السعودية. وكان يتم استذكار سردية الجارين هذه خاصة عندما كانت الأوضاع تتوتر بين بيروت ودمشق؛ وحينما كان السوريون ينذرون لبنان بإقفال الحدود البرية الوحيدة معه..
واليوم هناك لدى الجار القريب (سورية) الكثير من المشاكل الداخلية؛ وأيضاً على طول حدوده البرية مع لبنان تسود حروب صغيرة ملتبسة؛ أضف إلى ذلك أن زيارة رئيس الحكومة السابقة نجيب ميقاتي إلى دمشق، لم تكن واعدة. فخلالها أجاب أحمد الشرع عن كل أسئلة لبنان لترتيب العلاقة مع الجار القريب بعبارة: حسناً؛ ولكن ليس الآن..
الأمر الوحيد الذي قال الشرع أنه يريده الآن؛ واليوم قبل الغد؛ هو استعادة أموال المودعين الذين تبددوا في المصارف اللبنانية والبالغة قيمتها حسب قوله نحو ٣٠ مليار دولار.
وفي ظل أن أحوال الجار القريب هي محل قلق وأسئلة عن مستقبله؛ وفي ظل أن الرئيس الجديد لسورية يريد من لبنان أن يسدد له ديونه؛ فإن لبنان ينظر للجار البعيد (السعودية) كعامل توازن عربي تستطيع من خلاله بيروت كعادتها أن تستعين بالرياض حتى تلطف أجواء دمشق الداخلية والحدودية الساخنة التي تلفحها.
إن رئيس الجمهورية جوزاف عون الباحث عن طاقة فرج لإنقاذ بلده من أزمته العميقة؛ يتجه الأسبوع المقبل إلى ضالته العربية أي الجار البعيد السعودية، وذلك للحديث معها ليس فقط عن عودة “آدم اللبناني” إلى “الجنة السعودية” – إن جاز التوصيف – بل أيضاً للحديث معها عن عروبة لبنان ليس فقط ذو الوجه العربي؛ ولكن هذه المرة وبالأساس الحديث عن أهمية عروبة لبنان بمقابل “تتريك سورية” وأسرلة (من إسرائيل) غزة والضفة الغربية؛ وبمقابل ضبابية أن المغرب العربي دخل بين فكي محاولة الروس والعم سام إخراج نفوذ فرنسا وأوروبا التاريخي منه؛ إضافة لما يحدث في السودان التي تهدد السنة نارها بحرائق داخل فناء جارها الكبير والقريب أي مصر.
قصارى القول في هذا المجال الضاغط والقاتم هو أن المنطقة تعيش حرائق حدود قد يكون هدفها إعادة رسمها من جديد على نحو يستبدل سايكس بيكو بخارطة جديدة يلمح لتفاصيلها نتنياهو وتحملها إلى المنطقة كأمر واقع رياح ترامب المجنونة.
إن أهمية زيارة الرئيس جوزاف عون تقع في عدة نقاط أولها أن تجري بين وقتين إثنين هامين؛ فهي تمثل من جهة أنها الزيارة الأولى للرئيس عون خارج لبنان منذ انتخابه؛ وتأتي من جهة ثانية قبل أيام من قمة العرب في القاهرة. وعليه فهي زيارة تجري على مفترق طرق سياسي عربي هام جداً؛ وهذا يعطي توقيتها علامة أنه توقيت مناسب جداً وحساس جداً ويمنح الطرفين اللبناني والسعودي الفرصة الموضوعية كي يخططا تنسيق العلاقة بينهما للمرحلة المقبلة.
النقطة الثانية تتمثل بأن زيارة الرئيس جوزاف عون إلى الرياض تأتي في لحظة أنه داخل توترات المنطقة توجد فسحة تفاؤل لأن يتم إحراز تفاهمات لإنهاء ملفات صراعية إقليمية يعتبر لبنان واحداً من ملفاتها.