خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
شهد الوضع في سورية خلال الأيام الأخيرة تطورات خطرة للغاية؛ وتمثل ذلك بدخول إسرائيل على خط فرض نفسها كأحد اللاعبين الاقليميين المباشرين فوق الساحة الداخلية السورية. وفي حال لم يتم إيجاد وسيلة تحول دون نجاح تل أبيب في تثبيت وشرعنة تدخلها بالشأن الداخلي السوري، فإن هذا سيؤدي بلا شك ليس فقط إلى نقل المشهد الليبي إلى سورية؛ بل أيضاً إلى تكرار مجازر الجبل التي حصلت خلال الحرب الأهلية اللبنانية نتيجة التدخل الإسرائيلي آنذاك بشكل مباشر في تلك المنطقة. ويجدر بالسوريين من كل الأطراف أن يتأملوا جيداً بالمشهد الليبي الذي تقول خلاصته أن الاحتراب الداخلي سيطيل المعاناة ولن يبكر الحل؛ فيما تجربة الإسرائيلي في الجبل في لبنان أدت إلى نتيجة واضحة مفادها أن الإسرائيلي لم يحم لا هذه الطائفة ولا تلك، بل جر الويلات والمجازر على كل أبناء الجبل.
لا شك أن إسرائيل تريد حصتها من تركة النظام السوري البائد؛ وبنفس الوقت تريد ضمانات – بحسب منطقها – من أن النظام الإسلامي الجديد لن ينقلب عندما يتمكن ضدها. وما يطلبه زيلنسكي من ترامب بأنه يريد ضمانات مسبقة قبل أن يقبل بالسلم مع بوتين، يطلبه نتنياهو من ترامب بخصوص أنه يريد ضمانات أمنية مسبقة قبل موافقته على حكم أحمد الشرع في سورية.. ولكن الفارق بين الحالتين يقع في أن ترامب رفض أن يأخذ زيلنسكي ضمانات لأمن أوكرانيا قبل توقيع كييف السلم مع روسيا؛ فيما هو – أي ترامب -، وافق على أن يأخذ نتنياهو ضمانات مسبقة قبل موافقته العملية على حكم أحمد الشرع لسورية..
طبعاً المشهدان متباعدان في خلفياتهما؛ وما يجمع بينهما شيء واحد فقط. هو كيل ترامب بمكيالين عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وبمصالحها في المنطقة.
.. إلى ذلك فإن استراتيجية نتنياهو في سورية لم تعد خافية؛ وهي انتقلت من مرحلة الإعلان عنها إلى مرحلة تنفيذها:
أول معطى في هذه الاستراتيجية هي أنها مغطاة بالكامل من ترامب؛ فالأخير يفاوض تركيا في سورية؛ ويضع شروطاً لاختبار حكم أحمد الشرع ومدى قدرته على التحول ايديولوجياً؛ أما بخصوص إسرائيل فهو يعطي نتنياهو “شك على بياض” كي يحصل فعلياً وعملياً على الضمانات المسبقة والفورية التي يريدها في سورية.
المعطى الثاني يتعلق بالإجابة عن سؤال: ما هي الضمانات المسبقة والفورية – حسب التسمية الإسرائيلية – التي يريدها نتنياهو في سورية؟؟.
باختصار ترى تل أبيب أنه بمقابل أن تركيا تريد حزاماً أمنياً مباشراً أو غير مباشر في شمال سورية يحميها من الأكراد ومن نواياهم المستقبلية ضد أنقرة في حال تفلت الوضع في سورية؛ فإن إسرائيل تريد إنشاء حزام أمني فعلي وعلى شكل نفوذ في جنوب سورية، يحميها من نوايا احمد الشرع الموجود في دمشق، وذلك في حال ظهر بعد سنة أو بعد ألف سنة أنه كان يكذب على المجتمع الدولي، وأنه لا يزال قلباً وقالباً ينتمي للقاعدة وللفكر التكفيري، الخ..
المعطى الثالث وهو هدف تل أبيب النهائي، ومفاده تقسيم سورية إلى ٤ دويلات: دويلة للسنة في الوسط؛ ودويلة للعلويين في الساحل؛ ودويلة للدروز في الجنوب ودويلة للأكراد في الشمال.
وما يدعو للقلق هو أن مسار التطورات السورية يظهر أن أجندة إسرائيل لتقسيمها هي الأقوى من بين كافة الأجندات الأخرى الموجودة في سورية؛ والسبب في ذلك يعود أولاً لكون أحمد الشرع قام بحل الدولة التي كانت قائمة بدل البناء عليها وإصلاحها، ما جعل بديل الدولة هو “دويلات الأمر الواقع”؛ وثانياً لكون القيادة الجديدة في سورية لم تبادر لإشراك أكبر قدر من المكونات السورية في انتاج مستقبل سياسي جديد لسورية، بل احتكرت هذه العملية، ما جعل المكونات الأخرى تبحث عن ملاذات غير سورية لها؛ وثالثاً لأن أميركا – ترامب منحازة بالكامل لصالح ما تريده إسرائيل في سورية..