خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
رغم دفعة التفاؤل التي تواكب انتخاب العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهورية والنجاح بسرعة بتشكيل حكومة نواف سلام إلا أن تطورات أوضاع المنطقة الذاهبة إلى سمة تعميق معنى تحول إسرائيل إلى لاعب داخلي في شؤونها الداخلية انطلاقاً من سورية من خلال ما حدث في جرمانا وانطلاقاً من السودان وما يشاع عن دور تل أبيب في دعم الدعم السريع وعن تواجد سياق إسرائيلي في مواقف إثيوبيا داخل أفريقيا وباتجاه مصر والسودان، الخ..
أما في لبنان فإن العين شاخصة على نقطة أساسية من دون تصفيتها سيبقى العامل الإسرائيلي موجوداً داخل الحدث اللبناني؛ وهذه النقطة هي عدم خروج الجيش الإسرائيلي من التلال الخمس؛ والأهم من ذلك هو عدم نجاح أو عدم جدية تنفيذ ترامب لتعهده بأنه سيضغط على إسرائيل للخروج من كل الجنوب يوم ١٨ فبراير الماضي.
وانطلاقاً من الصورة العامة في المنطقة فإن بقاء إسرائيل في التلال الخمس لا يمكن النظر إليه إلا من شرفة تواجد إسرائيل على سفح جبل الشيخ ومن النظرية المعتمدة في القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي والتي تربط بقاء الجيش في التلال الخمس بأنه امتداد للتوغل الإسرائيلي داخل سورية حتى قطنا والسيطرة الاستخباراتية على السويدا والسيطرة الاستخباراتية الأميركية بالتشارك مع روسيا على درعا. ويشاع أن أحمد العودة الممسك بدرعا والذي كانت قواته من أوائل القوى العسكرية التي دخلت دمشق يتم النظر إليه كخيار استراتيجي يتم اللجوء إليه دولياً في حال ثبت أن أحمد الشرع لن يستطيع أخذ سورية إلى استقرار شامل.
ومن ناحية ثانية فإن بقاء إسرائيل على التلال الخمس ينظر إلى جانب من خلفياته على أن إسرائيل تدرج لبنان كواحد من الدول العربية التي ستتدخل في توجيه شؤونه الداخلية. وربما تصريحات وليد جنبلاط الأخيرة التي حذرت الدروز من الفخ الإسرائيلي أوضح دليل عن الخشية الموجودة في بيروت من أن يكون للخطط الإسرائيلية التخريبية داخل سورية تتمة في لبنان.
لقد اختبر اللبنانيون خطورة أن يترك أي باب لبناني مفتوحاً لتدخل منه إسرائيل سياسياً إلى لبنان؛ فوقائع أحداث الجبل المشؤومة بين العامين ١٩٨٣ و١٩٨٥ أوضحت بجلاء أن إسرائيل لم تقم الدويلة الدرزية كما وعدت تيارات درزية داخل إسرائيل، ولم تحم المسيحيين؛ بل كانت حصيلة تدخلها حدوث مجازر وتهجير مروعين.
يجب الإشارة هنا بوضوح إلى أن تلويح إسرائيل بالتدخل لدعم الدروز والأكراد في سورية يؤدي إلى صب الملح على مخاوف قديمة أو دفينة بين الطوائف؛ حيث الإيحاء الإسرائيلي بأنهم يدعمون الطموح الدرزي للانفصال يثير خوف الموارنة في لبنان؛ فيما الإيحاء بأنهم يريدون دعم الأكراد يستفز سنة شمال لبنان ويزيد من قوة الحضور التركي في تلك المنطقة.
إن لبنان يقف اليوم أمام خيارين لتحصين ساحته الداخلية وهو السير مع الرهان السعودي على أن ينجح أحمد الشرع في التحول من منهج الثورة إلى الدولة من السلفية الجهادية إلى البرغماتية الإسلامية؛ وعدا ذلك فإن سورية ذاهبة إما لسيناريو الفوضى ولبنان لن يحتمل فوضى في سورية؛ وإما الى سيناريو التقسيم الإسرائيلي ولبنان لن يكون موحداً إذا أصبحت سورية مقسمة؛ وإما إلى ستاتيكو يستنزف الأمن والاقتصاد السوري، ولبنان سيتأثر سلباً من واقع أن مليون نازح سوري لديه لا يملكون أفقاً لعودتهم لبلدهم..