خاص الهديل…
بقلم: قهرمان مصطفى
لعل الحوار الذي جرى في البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي ترامب والرئيس الأوكراني زيلينسكي، والذي يمكن تسميته “بالعاصف” أَخرَجَ إلى العلن بعض ما يدور في الغرف السياسية، وكيف تدور بعض مفاوضاتها القاسية والعنيفة.
يمكن القول أن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي قد خسر دون شكٍ وخسرت معه أوكرانيا، وبالمقابل انتصرت أميركا ومعها ترامب، ذلك لأنه رئيس قوي لأقوى إمبراطورية عرفها التاريخ.
حادثة الرئيسين الأميركي والأوكراني لم تكن الأولى في العالم السياسي؛ فمثل هذا الحوار القاسي واللغة الخشنة سوابق في التاريخ الحديث، تكشف عن خطورة مثل هذه الحوارات وتأثيرها على شخصيات الرؤساء، ومن أشهر الأمثلة على هذا لقاء القمة الذي جمع الرئيس الأميركي جي إف كينيدي مع الرئيس السوفييتي نكيتا خروتشوف في فيينا عام 1961.
وقصة هذا الاجتماع نقلها غالب مَن كتب عن تلك الفترة، ومِن ذلك ما ذكره نايجل هاملتون، وهو كاتب سير وأكاديمي بريطاني، في كتابه “القياصرة الأميركيون”، حيث تحدث كينيدي عن هذا اللقاء العاصف حيث “اعترف في ما بعد لجايمس ريستون، وهو صحافي يعمل في صحيفة نيويورك تايمز، بأن المواجهة كانت (أصعب ما فعله في حياته)، وأشار وزير خارجية كينيدي، دين راسك، إلى أن الرئيس (كان حزيناً جداً، لم يكن مستعداً لوحشية عرض خروتشوف)”.. وأضاف هاملتون: “وكتب رئيس الوزراء البريطاني ماك ميلان، الذي زاره كينيدي في لندن في طريق عودته إلى أميركا، في مذكراته، أن الرئيس كان ما يزال مصدوماً وأنه وصف القمة في فيينا (كمقابلة شخص عادي لنابليون للمرة الأولى في أوج سلطته).”
ويضيف هاملتون: “قال نائب الرئيس جونسون: لقد جمّد خروتشوف الدم في عروق رفيقي المسكين من الخوف”. في حي ذكرت بعض الكتب تفاصيل أكثر عن هذه المواجهة التاريخية المحتدمة، توضح أن خروتشوف فعلاً أخاف كينيدي كثيراً.
قصة أخرى عن المفاوضات القاسية التي تعقد خلف الأبواب المغلقة، وهي قمة بين الرئيسين الروسي بوتين والفرنسي نيكولا ساركوزي، على هامش قمة “جي 8” التي التأمت في موسكو عام 2007، وقد خرج ساركوزي ليتحدث مع الصحفيين وبدا وكأنه في حالة سكرٍ من تخبطه في الحديث.
والحقيقة أنه قبل مؤتمره الصحفي اجتمع ببوتين الذي عامله بخشونةٍ وحدةٍ جعلته يفقد توازنه، فعندما ندد ساركوزي بالحل العسكري الروسي في الشيشان، قاطعه بوتين قائلاً: “حسناً، هل انتهيت؟ اسمع سأشرح لك، إن بلدك هو هكذا، مشيراً بكلتا يديه حول حجم فرنسا الصغيرة، أما بلدي فهو هكذا، والآن لديك حلان: إما أن تتابع الحديث معي بهذه اللهجة وعندها سأقوم بسحقك، وإما أن تغير أسلوبك وسأجعلك بالمقابل ملكاً على أوروبا”.
من هنا نرى أن ثمة اختلاف بين لقاء ترامب وزيلينسكي وهاتين السابقتين التاريخيتين، وهو أن هاتين الحادثتين وقعتا بعيداً عن كاميرات المصورين وتغطية الصحفيين، لكنهما نقلتا فيما بعد، بينما تقريع ترمب ونائبه لزيلينسكي كان على الهواء مباشرةً وشاهده العالَم أجمع بعدما تمت ترجمته لغالب لغات العالم الذي يسعى لمعرفة ساكن البيت الأبيض الذي يقود أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ.
والحقيقة أن في المعركة الدبلوماسية القاسية التي جرت في البيت الببيضاوي، لم يكن فيها زيلينسكي موفقاً في اللقاء، وعليه يمكن القول أنها أدت إلى خسارته الشخصية وتراجع موقف بلاده بفقدان أقوى داعم لها في حربها مع روسيا. وعلى الرغم من التصريحات الأوروبية المتحمسة لمساندته، إلا أن أوروبا عاجزة عن ملء الفراغ الأميركي هناك؛ فميزان القوة الصلبة يفرض حضوره بلا جدال، خاصةً في زمن الحروب.. كما أن أوروبا نفسها تظل مكشوفة عسكرياً أمام روسيا دون حلف “الناتو”، الذي تمثل الولايات المتحدة عموده الفقري، وهو الحلف الذي يسعى ترمب إلى إعادة هيكلته.