خاص الهديل….
مع كل طلعة شمس يتضح المعنى المهم لدور ومكانة الرئيس نبيه بري في إبقاء البلد داخل توازن مقبول، وفي إبقاء سياسة البلد عند الخط الذي لا يتجاوز عتبة الانزلاق إلى “المهوار..”.
لماذا يتم التذكير اليوم بهذا الأمر الذي يقر الجميع به سواء خصوم بري أو أصدقائه؟؟..
أولاً- لأن البلد في عهد جديد؛ والجميع معنيون بتحصين حالة الالتفاف الشعبي والوطني الرائع الذي واكب الرئيس جوزاف عون منذ انتخابه..
.. ولا بد من القول هنا أن الرئيس بري قد لا يكون له شريك أو مثيل لجهة أنه الأقدر على الإسهام بتحصين استمرار حالة الالتفاف السياسي والوطني حول العهد كي ينطلق نحو الأمام بخطى لا تؤدي أو تعترضها انتكاسات وصدمات.
ثانياً- لأن الرئيس بري في زمن حياة السيد حسن نصر الله كان هو الزعيم السياسي الشيعي بموازاة أن الأخير كان قائد المقاومة وممثل “محور الممانعة الإقليمي” في لبنان وانطلاقاً من لبنان إلى المنطقة. واليوم الرئيس بري بغياب السيد نصر الله وضمن واقع الحال الراهن؛ أصبح هو كل المعنى الذي كان عليه مزيج ثنائية بري – نصر الله أو ما يسمى إصطلاحاً بالثنائية الشيعية.
الأمين العام الجديد لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عبّر عن هذا المعنى وذلك عندما أطلق على بري تسمية “الأخ الكبير”؛ وداخل حزب الله يقولون أن الشيخ قاسم لا يطلق الألقاب عبثاً بل يعنيها ويقصد إيحاءات حاذقة تخصها؛ ويذكر هؤلاء للدلالة على صحة استنتاجهم أن الشيخ نعيم قاسم هو من أطلق على المرشد السيد خامنئي لقب الإمام.
أول لقب سبق إسم بري مع بدء حياته السياسية كان “الأستاذ”، ثم لقب “الأخ رئيس حركة أمل” ثم لقب “أبو مصطفى” ثم لقب “دولة الرئيس” واليوم لقب “الأخ الأكبر”.
وحينما كان بري إسمه الأستاذ كان بالفعل أستاذ اللعبة السياسية في حينه؛ وآنذاك عرف بري كيف يجعل حركة أمل بيضة قبان التسوية والميدان..
وحينما أصبح معروفاً بإسم أبو مصطفى كان لذلك معنى على وزن “الأبوات” في سورية “كأبو جمال” (خدام) وأبو وائل، الخ.. وحينما بات ينادى بالأخ الرئيس وبدولة الرئيس كان بري أصبح شاغل الدنيا ومالئ الناس في لبنان.
وكان السيد حسن نصر الله يعبّر عن حكمة حينما كان أثناء توجيه حديثه لبري فإنه كان يحرص أن يخاطبه دفعة واحدة بكل ألقابه التي تمثل كل مراحل حياته السياسية؛ فكان يسميه “الأستاذ الأخ دولة الرئيس نبيه بري”..
يبدو مطلوباً اليوم كما بالأمس وغداً التنبه للتعامل مع الرئيس بري من خلال إعطاء مكانة ووزن لكل معاني الألقاب التي تسبق إسمه مضافاً إليها المعنى المكثف والهام الجديد: “الأخ الأكبر”؛ وهو معنى يعني “كلية المعادلة” التي باتت ضمن قبضته..
وما تقدم يعني أنه ليس فقط المطلوب الحوار مع بري بل يعني أنه يجدر التشارك معه والتفاوض معه وممارسة كل أنواع التفاعل معه وذلك من أجل إبقاء توازن البلد داخل مدار الجاذبية؛ وإلا فإن الأمور ستتفلت من عقالها وتصبح السياسات كريشة في مهب الريح..
ما تقدم ليس تحذيراً للواقع السياسي اللبناني بل تذكير؛ لأن الأحداث أحياناً تفرض منطقها الانطباعي ما يؤدي إلى غياب المنطق من داخلها…
.. طبعاً العهد الجديد في لبنان واع للتوازنات؛ أضف أن بري ليس خارج العهد الجديد؛ ولكن يجب إضافة أمر هام آخر لهذه المعادلة وهو أن بري يمثل تجربة عهود كثيرة في لبنان؛ وهنا أهميته كلاعب يستطيع أن يروح ويجيء على حبل السيرك السياسي الرفيع ألف مرة من دون أن يسقط؛ وحتى من دون أن ينقطع حبل السيرك السياسي الرفيع..
في الحديث النبوي يوصي الرسول الإنسان المسلم الصالح بالقول: أمك، أمك، أمك ثم أبيك..
وفي لبنان يمكن للمرء أن ينصح أي حاكم أو عهد بالقول: بري؛ بري؛ بري ثم كل الآخرين!!