خاص الهديل….
كتب بسام عفيفي
منذ الاستقلال عرف لبنان العديد من رؤوساء الحكومات؛ وأولهم كان رياض الصلح الاستقلالي والذي أدت ثنائيته مع بشارة الخوري إلى ولادة عهد استقلال لبنان وإعلان ليس فقط دستوره بل ميثاقه بين المسلمين والمسيحيين وجمهوريته الأولى.
.. من دولة رئيس الحكومة رياض الصلح إلى دولة رئيس الحكومة نواف سلام؛ وأيضاً من فخامة رئيس الجمهورية بشارة الخوري إلى فخامة رئيس الجمهورية جوزاف عون؛ هناك صلة رجاء بين اللبنانيين؛ بمعنى أن عهد ال١٩٤٣ حمل أمل ورجاء وعهد ال٢٠٢٥ يحمل نفس الأمل والرجاء؛ آنذاك كان عنوان الأمل والرجاء بناء الاستقلال الوليد وإرساء مداميك الدولة واليوم عنوان الأمل والرجاء هو حفظ الاستقلال وحمايته واستعادة الدولة..
يقول الصحافي اللامع ميشال أبو جودة أن مهمة بناء الدولة أقل صعوبة من مهمة استعادة الدولة وإعادة بنائها. فالمهمة الأولى تكون مفعمة بالحماس والثقة بالنفس، فيما المهمة الثانية تكون مشوبة بالحذر والخوف المشروع من فكرة أننا لو كنا نستحق الدولة ما كنا فرطنا بها وأضعفناها؛ ولذلك قد لا ننجح باستعادتها.
ومن هنا تولد الفكرة التي تقول أن مهمة نواف سلام في استعادة الدولة وحماية الاستقلال هي أصعب من مهمة رياض الصلح الذي أسس لبناء الدولة وإنشاء سياج الاستقلال.
.. وعليه فإن أكثر ما يحتاجه نواف سلام في مهمته هو ثقة الناس بأنه قادر على إعادة البناء وأنه يملك الإيحاء الذي يؤدي إلى كسر خوف الناس من عدم قدرتهم على إعادة بناء الدولة التي لم يستطيعوا الحفاظ عليها عندما كانت موجودة.
يدرك نواف سلام هذا الجانب الهام من مهمته؛ والأهم من ذلك يدرك أن الناس تنظر لنواف سلام بوصفه يمثل جينات سياسية جديدة ذات قدرة على مواجهة مشروع البناء بشجاعة ومن دون عقدة أن تجربة الأمس القاتمة قد تتكرر اليوم وفي المستقبل.
وضمن هذا الإطار يمكن القول أن أهم ميزات نواف سلام تقع في ثلاثة أمور:
أولاً- يمثل نواف سلام لحظة جديدة داخل ليس فقط الحياة السياسية اللبنانية؛ بل الأهم من ذلك، هو أيضاً يمثل لحظة تؤشر إلى أنه يجيب على موجبات المهمة الجديدة والمتمثلة حصراً باستبدال ذهنية التفكير بالعمل السياسي وبدور المسؤول وأولوياته.
صحيح أن نواف سلام هو سليل عائلة سياسية بيروتية ووطنية عريقة؛ ولكن الصحيح أيضاً أنه إبن لحظة جديدة داخل أصالة عائلته العريقة. وربما كان هذا المزيج بين معنى العراقة الموثوقة من الناس والحداثة المطلوبة دولياً، الموجود – أي هذا المزج – في شخصية نواف سلام هو أمر مطلوب نظراً لطبيعة التحديات اللبنانية الراهنة؛ ونظراً لطبيعة اللحظة الكونية الموجود فيها لبنان.
الأمر الثاني التي تحتسب على أنها ميزة لصالح نواف سلام هو أنه يضع نفسه في ذات المكان الذي يريد المواطن أن يراه فيه؛ وهو مكان الشفافية والمواقف التي تدل على أنه جاء من أجل الإصلاح وليس من أجل السلطة بمعناها المعنوي الفارغ..
يريد نواف سلام القول أنا موجود على الطريق الذي يحلم المواطن بأن يتم شقه للوصول إلى الحلم الممكن وهو إعادة بناء الدولة على أسس صحيحة ووفق معايير تعزز المواطنية وتؤكد أهمية التمسك بمبدأ أن لبنان هو بلد المؤسسات والقانون والحريات..
ثالث ميزة في نواف سلام هو أنه ذاته؛ وأنه تعلم من القضاء أن القرار الصحيح هو الذي تتم صياغته داخل غرفة الضمير وذلك في آخر لحظة تلي الاستماع الطويل لعرض وقائع الخبراء والشهود واصحاب القضية..
الطريق لا يزال في بدايته واللبنانيون متمسكون بالأمل الذي ولد حالياً بعد طول معاناة.. فالله من وراء القصد.