خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
كتب أفي اشكنازي في صحيفة معاريف يقول أن إسرائيل تغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط وهي بدأت بانتهاج عقيدة قتالية هجومية تظهر أنها تعافت من تداعيات هجوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
والواقع أن كلام اشكنازي يعكس بنية تفكير سائدة اليوم لدى جزء من صناع القرار في إسرائيل، ومفادها أن تل أبيب ربحت الحرب الإقليمية رغم أنها لا تزال تعاني من نتائج حرب غزة وأخواتها على وضعها الداخلي؛ بمعنى أن الجيش مصاب بأزمة أن لديه عجز بالعديد؛ وتعويض هذا العجز ليس سهلاً لأن دونه مشاكل سياسية عميقة مثل موقف الحريديم من التجند بالجيش؛ ومشاكل جيوسياسية تطال مثلاً قضية المواءمة بين الحجم الديموغرافي والقدرة على التوسع الجغرافي والقتال بنفس الوقت على الجبهات السبع، الخ..
بكلام آخر يوجد لدى إسرائيل مشاكل استراتيجية لا يحلها تفوقها العسكري، وهذه المشاكل هي من النوع التي تبقى موجودة حتى لو حقق نتنياهو ما يسميه ب”النصر المطلق”؛ كون هذه المشاكل ناتجة عن بنية إسرائيل وعن سردية تكونها وتطورها وتركيبتها الداخلية والآفاق غير المحسوبة التي تطرحها التحديات الجيوسياسية عليها، الخ..
كل ما تقدم عن هذه المشاكل يجعل طيف واسع من المراقبين غير مقتنع بمقولة أن إسرائيل تستطيع تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط؛ وبالمقابل يبدو مقنعاً أكثر القول أن إسرائيل تسعر قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، وتجعله غير مستقر ومتفلت من عقال الضبط..
والمقصود هنا أن إسرائيل يمكنها أن تثير الفوضى داخل مكونات المنطقة، ولكن من الصعب عليها أن تعيد ترتيبها وفق مصالحها الاستراتيجية؛ وبالغالب إن النيران التي تسعرها إسرائيل في المنطقة ستصيبها بلهيبها الحارق.
عام ١٩٦٧ اعتبرت إسرائيل أن وقوفها على قمة جبل الجولان أعطاها امتيازاً إقليمياً وليس فقط نصراً على سورية؛ واليوم يعتبر نتنياهو أن وقوف إسرائيل على قمة جبل الشيخ يعطيها امتيازاً إقليمياً ويقربها من هدفها الجديد، وهو تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.
لاشك أن جبل الشيخ هو موقع استراتيجي حاكم؛ ولكنه داخل حرب الشرق الأوسط هو مجرد معركة داخلها وليس كل هذه الحرب. فالحرب الإقليمية التي يتحدث عنها أفي اشكنازي ترمي لجعل الشرق الأوسط أشبه بمجرة تسبح في الفلك الإسرائيلي؛ وهذا المعنى لا يكفي أن تكون الدولة قوية عسكرياً كي تقول به وتدعيه لنفسها؛ بل تقول به دول لديها بنية دولة إمبراطورية واسعة الأرجاء وذات تاريخ عميق وصلب، ولديها ديموغرافيا واثقة من ثقافتها ومن انتمائها للأرض التي تقف عليها.
ويبدو أن نتنياهو ومعه جدعون ساعر يتجهان على نحو مستغرب للتفكير بعقلية إمبراطورية؛ فالأول يتحدث عن قدرة إسرائيل على تغيير الشرق الأوسط؛ علماً أن أهم أزمة تواجه إسرائيل هي أن الشرق الأوسط يرفض وجودها كفكرة، ويتقبلها كأمر واقع مسلح بخط أحمر أميركي يحميها.. وساعر يتحدث عن التوسع الجغرافي الإسرائيلي، علماً أن أزمة إسرائيل برأي طيف واسع من الخبراء ناتجة عن أن توسعها يسبب ضعفها بدل أن يزيد من قوتها.
بهذا المعنى يبدو أن المنطقة ذاهبة في متاهة أن إسرائيل تريد أن تتحول إلى إمبراطورية؛ وهذه مغامرة لا تكلفها هي فقط حصول كوارث كبيرة، بل تضع المنطقة كلها بمواجهة حروب وصراعات استتباعية تزيد من المآسي فيها..