خاص الهديل
بقلم: ناصر شرارة
تأتي زيارة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس إلى لبنان، في توقيت فلسطيني يمكن وصفه بأنه “توقيت حرج”، وفي توقيت لبناني يمكن وصفه بأنه “توقيت مترقب” لما يدور على حدوده الشمالية والجنوبية من أحداث دراماتيكية وتطورات خطرة.
خلال قمة القاهرة العربية حصل لقاء بين أبو مازن والرئيس جوزاف عون؛ والرجلان اتفقا على تعميق ما بحثاه هناك من خلال إجراء لقاء بينهما في بيروت.
.. ولا شك أن هناك حاجة لأن يستمع لبنان لما يريده أبو مازن من الدولة اللبنانية وبنفس الوقت هناك حاجة لأن تستمع رام الله لما يريده لبنان من السلطة الفلسطينية.
ويمكن القول أن اجتماع بيروت بين أبو مازن وجوزاف عون يكتسب أهمية أو يكتسب الحاجة إليه من ثلاثة أسباب وموجبات:
السبب الأول هو أن “أبو مازن” يحتاج لأن يكون لديه خطة معينة منسقة مع الدولة اللبنانية بخصوص الوضع الفلسطيني في لبنان؛ فالرئيس عباس كما هو معروف مدعو لترتيب البيت الفلسطيني في الداخل وفي الخارج، وذلك بحسب ما طلبته منه الورقة المصرية بشأن غزة التي وافق عليها العرب. ويعتبر اللجوء الفلسطيني في لبنان أحد فصول كتاب ترتيب البيت الفلسطيني؛ وأبو مازن كان يشكو في السابق من أن الدولة اللبنانية لا تستطيع أن تواكب رغبته بتنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان، وذلك على نحو يصبح (أي الوجود الفلسطيني) تابعاً لقرار رام الله بدل أن يظل تابعاً لمعادلة الانقسام الفلسطيني.. وحالياً يرى أبو مازن أن الدولة اللبنانية في عهد الرئيس جوزاف عون أصبح لديها قدرة على إثبات حضور أقوى داخل الملف الفلسطيني في لبنان؛ وهذا تطور يشجع رام الله على الجلوس كدولة مقابل بيروت كدولة للبحث بنظرة مشتركة يتم التعاطي من خلالها مع الوجود الفلسطيني في لبنان الذي صار لديه مع الوقت صفة “الساحة الفلسطينية في لبنان”.
ثانياً- لا شك أن قيام الجيش اللبناني بوضع يده على مواقع عسكرية فلسطينية في البقاع وعلى الساحل، لفت النظر إلى أن لبنان بدأ يتعامل مع الواقع الفلسطيني فوق أرضه، كدولة وبمنطق الدولة؛ وهذا الأمر شجع أبو مازن على وضع زيارة لبنان وطلب أن تساعده بيروت في ترتيب البيت الفلسطيني، كهدف مهم داخل أجندته التي يسجل عليها ما يجب القيام به على نحو عاجل.د
طبعاً ما تقدم لا يعني أن “أبو مازن” يحمل معه خطة نهائية لما يجب أن يكون عليه الوضع الفلسطيني في لبنان؛ أو لما يجب أن تقوم به بيروت ورام الله لنقل الوجود الفلسطيني في لبنان من كونه يمثل “ساحة فلسطينية” كاملة الأوصاف السياسية والعسكرية تؤثر على رام الله بأكثر مما تتأثر بها؛ إلى كونه ملف لجوء فلسطيني يحتاج لحلول تضعها السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع الدولة اللبنانية..
وتوخي الواقعية يفرض القول أنه لا سلطة رام الله ولا الدولة اللبنانية قادرتان على التصدي لهذه المهمة أو بتعبير أدق لهذه القضية. والواقعية عينها تحتم على بيروت وعلى رام الله في هذه المرحلة التعاطي مع السلاح الفلسطيني في لبنان من خلال شطره إلى ملفين إثنين: ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات؛ وملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات.
وإذا جازت المقارنة يمكن القول أن السلاح خارج المخيمات يمكن معالجته في اللحظة السياسية الراهنة، وذلك بالنظر لتوفر ألف سبب وسبب لم يكونوا متوفرين سابقاً؛ أم السلاح داخل المخيمات فالأفضل تأجيل مقاربته في هذه اللحظة لألف وسبب وسبب لا يزالوا غير متوفرين حتى الآن.
.. وعليه فإنه ثمة إغراء للنظر إلى الواقع الفلسطيني في لبنان على أنه يصح مجازاً تطبيق مفاعيل القرار ١٧٠١ عليه؛ فالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات يمكن اعتباره سياسياً وعسكرياً أشبه بمنطقة جنوب الليطاني الجاهزة والمتفق على نزع السلاح منها؛ أما منطقة سلاح المخيمات فهي تشبه منطقة شمال الليطاني التي لا يوجد اتفاق على نزع سلاحها ولا يوجد لدى الطرف اللبناني قناعة بأن وقت مقاربتها عملياً قد حان.. وكل ما هو مطلوب بشأنها هو فتح حوار بين الفلسطينيين والدولة اللبنانية لتنظيمه بداية؛ ومن ثم لنزعه لقاء ضمانات قد لا تكفي أن تكون فقط محلية لبنانية أو حتى عربية..
ثالثاً- يبقى القول أن زيارة “أبو مازن” تأتي في لحظة أنه يعد ترتيبات خلافته في رئاسة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية حسبما طلبت منه ولو بشكل غير معلن قمة القاهرة العربية؛ فيما الرئيس جوزاف عون يجري ترتيبات خطط حكمه وعهده الذي بدأ للتو. وعليه يبدو مشهد لقاء الرئيسين الفلسطيني واللبناني وكأنه جاء في “وقت متأخر” من جانبه الفلسطيني؛ وفي “وقت مبكر” من جانبه اللبناني. فالصورة تقدم انطباعاً بأن اللقاء يحدث بين رئيس فلسطيني ذاهب يبحث مع رئيس لبناني قادم للتو، ملفاً ينطبق عليه بحسب اللغة العربية مفاعيل “فعل الماضي المستمر”، حيث الملف الفلسطيني كان ولا يزال وقد يبقى بمثابة “مشكلة مستدامة وحل مؤجل”.