خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
لن يكون يوم السبت المقبل نهاية الدنيا ولكنه من دون شك سيكون بداية تحول من العصر الذي ظهر طوال الأشهر الماضية أنه العصر الإسرائيلي الخالص، إلى عصر التحييد الأميركي لإيران بالتشارك مع السعودية؛ والتفاهم مع تركيا على حساب تغول نتنياهو في سورية وبدرجة ملحوظة في المنطقة.
هذه الانطباعات برزت كخلاصات أولية من خلال فحوى اللقاء الصحفي – وليس المؤتمر الصحفي – الذي عقده ترامب مع نتنياهو عقب استدعاء الأول له ليحضر على وجه السرعة إلى البيت الأبيض.
محرر قناة ١٢ الذي حضر اللقاء الصحفي في البيت الأبيض قال ان اللقاء حفل بالكثير من المجاملات ولكن مضمونه كان سيئاً.
هناك سؤالان يطرحان نفسيهما: الأول ماذا كان يريد ترامب من استدعاء نتنياهو إلى البيت الأبيض؟؟.. الثاني لماذا كان الاجتماع بين ترامب ونتنياهو سيئاً من وجهة نظر الأخير؟؟.
توجد على السؤال الأول مجموعة إجابات أبرزها ما تردد في واشنطن أمس لجهة أن ترامب أراد عبر إعلانه مفاجأة اللقاء المباشر بين واشنطن وطهران يوم السبت في دولة ثالثة، السيطرة على نتنياهو وتحجيم ردود فعله على هذه الخطوة التي كان نتنياهو يفضل عدم حصولها..
أيضاً أراد ترامب من لقائه بنتنياهو تحت صفة أن الأخير في حالة استدعاء وليس بزيارة دولة؛ الإشارة له بأن أميركا وليس إسرائيل هي الموجودة في هذه اللحظة بحالة حرب كبرى سيتغير مساراتها وستضع العالم أمام مرحلة جديدة؛ وعليه مطلوب من نتنياهو أن يتموضع داخل التوجه الأميركي الاستراتيجي الراهن على مستوى كل مناطق العالم؛ وليس عليه – أي نتنياهو – بظل ظرف أميركا الراهن أن يطلب من واشنطن التموضع داخل مطالب إسرائيل في الشرق الأوسط.
لقد لفت ترامب نظر نتنياهو إلى أن واشنطن تدعم سنوياً إسرائيل بـ٤ مليارات دولار ثم قال ان سياسته تقوم على الاستمرار بدعم إسرائيل ولكنه سيوقف تقديم الدعم المالي للدول غير الصديقة لأميركا.. وهذه معادلة جديدة يجب أن يفهمها نتنياهو ومفادها أن المليارات الأربعة هي ثمن صداقة إسرائيل للولايات المتحدة الأميركية التي اتخذ رئيسها الحالي – أي ترامب – قراراً بعدم تقديم أي دعم للدول غير الصديقة لواشنطن. باختصار ربما نتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي يسمع من رئيس أميركي قوله أن المساعدة الأميركية لإسرائيل لها ثمن وليست مجانية أو لها خلفيات غير ملموسة. وهذا يعني أن هناك واجبات يجب على إسرائيل أن تقدمها لأميركا حتى تبقى الصداقة قائمة أقله بين البيت الأبيض ونتنياهو. ومن هذه الواجبات أولاً أن لا تعامل إسرائيل تركيا في سورية على أنها نسخة ثانية من إيران في سورية؛ لأن واشنطن تؤيد الدور التركي في سورية ولا تعتبر أنه يهدد امن إسرائيل كما أراد نتنياهو أن يسوق هذا الأمر لدى ترامب.
ثانياً- الموقف من إيران تفاوضاً أو حرباً أو انتظاراً هو من صلاحية البيت الأبيض ولا يحق لإسرائيل أن يكون لها حق الفيتو على ما تقرره واشنطن بهذا الملف.
يبدو حتى اللحظة – يجب التشديد على عبارة حتى اللحظة – أن نتنياهو قبل لأول مرة هذا الإملاء الأميركي الصارم بخصوص أن له حدود حاسمة يجب أن يقف عندها بما يتعلق بملف واشنطن مع إيران.
تجدر الإشارة هنا إلى أمر هام ويستدعي التوقف عنده من باب أنه احتمال وارد الحصول؛ ومفاده أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي يجد نتنياهو نفسه أمام رئيس أميركي يقول له إلزم حدك بخصوص ملف تعاطي أميركا مع إيران ومع مشروعها النووي. كان سبق للرئيس الأميركي باراك أوباما أن ذهب أبعد من ترامب في تحذير نتنياهو من تبعات اعتراضه على سياسة أميركا الإيرانية حيث وبخه وأشار بيده إلى رقبته قائلاً له بالإيحاء الواضح أن من يعارضه سيتعرض لأن يتم فصل رأسه عن جسده على نحو واضح.. حينها غادر نتنياهو البيت الأبيض وهو في قمة الإحباط؛ وقبل الأمر الواقع ولكنه استنفر قنواته العميقة داخل القنوات السياسية الأميركية كي يفشل سياسات أوباما الشرق أوسطية وبخاصة موضوع التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية؛ وقد نجح نتنياهو بذلك كما يعترف أوباما بآخر كتاب صدر له عقب خروجه من البيت الأبيض.
الفكرة الأساس مرجحة الحصول هو أن نتنياهو سيبتلع اللكمة التي وجهها ترامب إليه على نحو سلس ولكنها تركت ندوباً واضحة على وجه نتنياهو؛ وهو سينتظر ترامب عند مفترق بدء مساعيه للانتقال من مرحلة تسوية أمر بدء مفاوضاته مع إيران لبدء مرحلة قيادة حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحينها سيواجه نتنياهو ترامب بجيش قوي موجود في إسرائيل وفي غرفة نوم ترامب ذاته؛ وهذا الجيش هو تحالف البيئات الصهيونية المسيحية الإنجيلية الأميركية واليهودية المعارضة بقوة وبحزم لتفكيك ولو مستوطنة واحدة في فلسطين؛ والمعارضة لأسباب دينية إرجاع ولو سنتيمتر واحد من الضفة الغربية أو من القدس للفلسطينيين.
أغلب الظن أن نتنياهو يفكر في هذه اللحظة بثلاثة أمور: الأول كيف يستوعب لكمة ترامب على نحو يتحاشى أن تؤدي إلى إضعافه داخل إسرائيل؛ والثاني التفكير باللحظة المناسبة له داخل إسرائيل وداخل أميركا لفتح اشتباكه السياسي مع ترامب. الثالث هو كيف يمهد مسرح العصبيات الإيديولوجية الدينية المتعصبة لما يسمى بالاتجاه الاسترجاعي أو الألفي الإنجيلي الصهيوني في الغرب وأميركا بخاصة والاتجاه المسيحاني داخل إسرائيل لإدارة وكر الدبابير بوجه ترامب..
نتنياهو قال مؤخراً أنه يعتقد أن احتمالات نجاح التفاوض بين ترامب وإيران ضعيفة جداً؛ ربما كان تقديره بمكانه؛ ولكن الصحيح أيضاً أن احتمالات عدم حصول صدام مكشوف بين ترامب ونتنياهو باتت ضئيلة أيضاً؛ فمكياج المجاملات الكاذبة التي حفل بها اللقاء الصحفي يوم الإثنين لا بد أن يسيح عن وجهيهما في فرصة قريبة قادمة.