خلال أزمة لبنان الاقتصادية الخانقة المستمرة منذ سنوات ثبت بالملموس أن العراق بتوجيه من رئيس الحكومة محمد الشياع السوداني لديه موقف مبدئي وأخوي صميمي؛ وهو الوقوف إلى جانب لبنان عملياً وسياسياً ومعنوياً. وأمس كما اليوم يوجد فضل واضح للرئيس السوداني بجعل لبنان لا يغرق في عتمة شاملة. بكلام آخر العراق مُصرّ على إبقاء لبنان مضاء وهذا موقف يعكس الخلفية الثقافية والسياسية التي توجه رؤية الرئيسالسوداني للبنان وللعلاقة العراقية ببلد الأرز..
ويمكن هنا النظر إلى هذا الجانب الهام بخصوص بصمة الرئيس السوداني الذهبية داخل منظومة العلاقة بين بلد الأرز وبلد حضارة الرافدين، من عدة زوايا أساسية:
الزاوية الأولى جيوسياسية وهي أبعد من تفاصيل العلاقات اليومية مع أهميتها؛ وهذا جانب يوليه الرئيس الشياع أولوية واهتماماً كونه يرى لبنان بلداً يضيف للواقع العربي معنى إضافياً نوعياً سواء على المستوى الثقافي والحضاري تماماً كما أن العراق هو نهر من الثقافة والحضارة داخل العالم العربي وليس فقط نهر من الثروات والثقل السياسي والعسكري والاقتصادي..
الواقع أن جمائل الرئيس الشياع النبيلة تجاه لبنان تظهر أن لديه مفهومه الحضاري لعلاقة العراق بلبنان؛ وهو مفهوم يظهرها على أنها علاقة تزاوج بين رسالتين حضارتين تقدمان للعرب إسهاماً نوعياً داخل فكرة الأخوة العربية؛ وأهمية هذا المعنى أن تقديمه يتم في لحظة يتجه فيها العالم ليدخل مرحلة حرائق تستخدم لتسعيرها أسلحة تدمير الصور الثقافية للشعوب وبخاصة للشعوب العربية وحضارتها. وعليه يمكن القول أن علاقة العراق بلبنان كما يرسمها الرئيس الشياع تمثل خط دفاع عربي أمامي بوجه الحرب الشعواء الناشبة اليوم ضد الصورة الحضارية للعرب وضد حقيقة التعايش الحضاري الموجود فيه تاريخياً بين الأديان والمذاهب.
الزاوية الثانية التي يتم النظر من خلالها إلى التطور الإيجابي الجاري على مستوى دفع العلاقة قدماً بين العراق ولبنان؛ لا بد أن تلحظ جهود خاصة ومثمرة يبذلها الرئيس نبيه بري لملاقاة نوايا الرئيسالشياع الطيبة والنبيلة تجاه لبنان عند منتصف الطريق؛ وأيضاً لا بد من تثمين الدور الذي قام به رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي على هذا الصعيد؛ وكي يأخذ الإنصاف حقه في هذا المجال لا بد من الإشارة إلى من يمكن تسميته “بحامل ملف نجاح علاقة لبنان بالعراق” على غير مستوى؛ والمقصود هنا مدير عام الأمن العام اللواء حسن شقير الذي زرع جهداً ضخماً في أرض العلاقات العراقية اللبنانية؛ وأثمرت جهوده نبتاً خيراً.
لا شك أن علاقات لبنان – العراق تنتظر تقدماً كبيراً إضافياً مع بدء عهد الرئيس جوزاف عون ومع بدء عمل حكومة الرئيس نواف سلام؛ ذلك أنه بات هناك قناعة لبنانية وطنية راسخة تؤمن بأن بغداد تحمل نوايا نخلها المثمر للبنان، وبأن الرئيس السوداني هو نِعم الشقيق النبيل والمقدام للبنانيين.. وبفعل أن مكارم العراق لا تنقطع عن لبنان فثمة من يرقع في هذه المرحلة التي يستعد فيها لبنان للنهوض؛ شعاراً مفاده أن لبنان يستطيع التحليق بجناحين عربيين قويين وشقيقين هما جناح العراق النبيل من جهة وجناح سعودية الخير من جهة ثانية..