خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
طرحت إسرائيل في الأيام الأخيرة شرطاً جديداً لقبولها باتمام صفقة تبادل الأسرى والانتقال من المرحلة الأولى إلى المرحلة الثانية من تنفيذ المقترح المصري؛ وهو موافقة حركة حماس على نزع سلاحها. وأمس رفضت حركة حماس هذا الشرط.
ويبدو أن حماس في ظل ظروفها السياسية والعسكرية الراهنة تقف أمام عدة خيارات مفصلية. والواقع أن الخيار الأبرز والأهم والأكثر إلحاحاً عليها من بين جميع هذه الخيارات هو خيار أنها لم تعد تستطيع أن تستمر بالمراوحة حيث هي تقف منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. وبمعنى آخر فإن مربع ٧ أكتوبر تشكل من ثلاث مراحل: الأولى هي مرحلة انتصار حماس سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً وشعبياً؛ المرحلة الثانية هي مرحلة جني الثمن السياسي للانتصار العسكري؛ وكان توقع حماس أن تسلم إسرائيل بدفع هذا الثمن عن طريق قبولها بوقف النار لقاء إطلاق أسراها؛ بغضون ٦ أشهر على أبعد تقدير؛ المرحلة الثالثة هي المرحلة التي توجد فيها حماس اليوم؛ وقوامها إعطاء الأولوية لوقف النار ورفع آلة الإبادة العسكرية الإسرائيلية عن الشعب الغزاوي؛ ولو كلفها ذلك دفع أكبر ثمن وليس أفدح ثمن.
وضمن تسليمها “بدفع أكبر ثمن” وليس حتى الآن موافقتها على “دفع أفدح ثمن”، وافقت حماس على أن لا تكون هي السلطة السياسية المقبلة في غزة؛ ولكن إسرائيل بعد نجاحها بإرغام حماس على دفع “أكبر ثمن” ووضعه في جيبها؛ انتقلت الآن للضغط على حماس من أجل إرغامها على الموافقة على دفع “أفدح ثمن”؛ وقوامه تسليم سلاحها، وأيضاً إعلان أنها تقبل الحديث بخصوص مقترح ترامب؛ وهذا المطلب الإسرائيلي يعني عملياً أن توافق حماس مبدئياً على مقترح ترامب لتهجيير الغزاويين من قطاع غزة..
ما يتوجب على حماس أن تتنبه له وهي في لحظة الخيارات الصعبة، هو أن إسرائيل لم تعد تشن الحرب على حماس من أجل تدميرها أو منعها من العودة لحكم غزة، بل هي باتت تشن الحرب على غزة لتضغط على حماس كي تتحول إلى جهة سياسية أو مكون منهار عسكرياً ولكن له معنى فلسطينياً سياسياً؛ وهدف إسرائيل من ذلك هو أخذ توقيع حماس ليس على نزع سلاحها بل على موافقتها على ما يسميه نتنياهو مقترح ترامب أي تهجير أهالي غزة.
فكرة نتنياهو هي تحويل حماس من سلطة تحكم غزة إلى سلطة توافق على تهجير غزة؛ ثم بعد ذلك يتم محيها من غزة.. وضمن هذه الخطة يمكن قراءة تسلسل أهداف حماس من فوق إلى تحت وفق التدرج التالي: بداية يجدر القول أن نتنياهو يضع هدف تدمير حماس عسكرياً وسياسياً في آخر قائمة أهدافه في حرب غزة؛ أي أن الهدف الأول لنتنياهو هو تدمير غزة؛ وهو ما فعله؛ الهدف الثاني التالي هو تقطيع أوصال غزة، وهذا ما فعله؛ الهدف الثالث جعل غزة منطقة غير قابلة للحياة؛ وهذا ما يفعله الآن؛ الهدف الرابع جعل حركة حماس عبارة عن وجود سياسي في غزة متهالك ومحاصر وجاهز للموافقة على أي شرط إسرائيلي؛ بمعنى أن نتنياهو بحاجة لجهة فلسطينية في غزة لها صفة سياسية، حتى يأخذ منها توقيعها على استسلام غزة وليس استسلام حماس وعلى تهجير غزة؛ ذلك أن نتنياهو يريد تهجير سكان غزة قبل تهجبر حماس من غزة أو أقله يريد أن يكون تهجير حماس بوابة ومدخلة لتهجير غزة.. وعليه فإن هدف القضاء على حماس يقع بمرتبة الهدف الأخير على تسلسل قائمة أهداف حرب نتنياهو في غزة.
والأمر الذي يغيب عن بال كثيرين هو أن نتنياهو في حربه المجرمة انتقل من هدف تدمير حماس إلى هدف استسلام حماس لمطالب إسرائيل في غزة؛ وعلى رأسها مطالبها بخصوص تحقق رؤية إسرائيل لمستقبل غزة؛ وهذا ما يفسر لماذا رفض نتنياهو أن تحكم السلطة الفلسطينية غزة؛ ولماذا لم يكن جاداً في البحث عن قوى محلية غزاوية تحكم غزة؛ فنتنياهو لا يريد أي فلسطيني في غزة؛ ولا يريد تدمير حماس إلا بعد أن توافق الأخيرة وتوقع الأخيرة على رؤية إسرائيل لمستقبل غزة أو ما على شاع تسميته بطبيعة اليوم التالي لغزة.
ما تقدم يعني أن نتنياهو لن يذهب لوقف النار ولن يذهب حتى للقبول بإطلاق الأسرى الإسرائيليين إلا مقابل ثمن استسلام حماس؛ وثمن قبول حماس أن يصبح توقيعها في جيبه؛ أي جيب نتنياهو الذي يقاتل حالياً من أجل حصوله على أمرين إثنين: ١- اعتراف حماس بهزيمة غزة وبحل تهجير غزة؛ ٢- بعد ذلك فقط يذهب نتنياهو لتنفيذ هدف غالبية الإسرائيليين؛ وهو إطلاق سراح الأسرى وتدمير حماس.
قصارى القول أن نتنياهو يذهب بعكس الاتجاه كي ينهي حرب الإبادة والتهجير ونكبة فلسطين الثانية.
يبقى كإشارة أخيرة ضرورة التنبه إلى أن السيناريو الذي يتبعه نتنياهو في غزة ومع حماس ومع الوسطاء؛ هناك أجزاء منه ومن تكتيكاته ومن بعض أهدافه صالحة بنظر نتنياهو لأن يستخدمها في لبنان ومع حزب الله ومع الدولة ومع الوسطاء!!!