خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
يمكن بشيء من السهولة قراءة المعنى السياسي الذي مثله أمس اللقاءات الثلاثة: زيارة وزير الدفاع السعودي إلى إيران وتسليم المرشد السيد علي خامنئي رسالة من خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز. وزيارة وزير خارجية إيران عرقجي موسكو وتسليم الرئيس الروسي بوتين رسالة من السيد خامنئي؛ وزيارة مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي التي تبرز دور المؤسسات الدولية بمواكبة هذا الحل؛ وهو أمر سيكون له تتمة في مراحل مقبلة على مستوى المطالبة ليس فقط بعدم حصول إيران على سلاح نووي بل على جعل كل المنطقة خالية من السلاح النووي.
بكل حال فإن هذه الزيارات الثلاث توحي بوجود قرار وسياق دولي وإقليمي للمساهمة بتسهيل مفاوضات واشنطن وطهران الذي تم افتتاحها السبت الماضي في سلطنة عمان ويتم غداً استكمالها في روما.
وواضح أن كل واحدة من هذه الزيارات تركت نتائج إيجابية على جانب من مناخ التفاوض بين واشنطن وطهران؛ ما يجعل الأجواء الإقليمية والدولية المحيطة بمفاوضات روما غداً تبدو حاضنة لها ومشجعة لطرفيها كي يندفعان إلى الأمام.
وحدها إسرائيل تستمر بمحاولة إشاعة أجواء سلبية في سماء المفاوضات النووية الإيرانية الأميركية عبر الحديث عن حتمية فشلها وعن ارتفاع احتمالات توجه واشنطن وتل أبيب لتوجيه ضربة عسكرية لإيران.
والواضح أن الموقف الإسرائيلي السلبي من المفاوضات النووية معروفة أهدافه ويبدو أن تأثيره على القرار الأميركي لم يعد كبيراً، بل حتى أن بعض المعلقين الأميركيين يقولون أنه تأثير معدوم!!
وما يهم المنطقة هو أن تنتهي المفاوضات الإيرانية الأميركية على اتفاق له ثلاث مزايا:
أولاً أن يكون عادلاً؛
ثانياً أن لا يكون على حساب المنطقة؛
ثالثاً أن يكون مدخلاً لفتح باب مبادرة دولية تؤدي إلى جعل المنطقة خالية من السلاح النووي.
والواقع أن دخول السعودية أمس على حط مناخ التفاوض بين طهران وواشنطن يرسل أكثر من رسالة في آن معاً: فصحيح أن وزير الدفاع السعودي حمل من والده خادم الحرمين رسالة إلى مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران؛ ولكن بنفس الوقت فإن مجرد الزيارة السعودية لإيران بالتوقيت الحالي فإنها تطير رسائل كثيرة لغير دولة وازنة في المنطقة؛ ومن بين هذه الرسائل واحدة لتركيا بخصوص أن المنطقة ذاهبة لتوازنات متعددة المشارب؛ ورسالة أخرى لتل أبيب مفادها أن توازنات المنطقة لا توجد كل ناصيتها في إسرائيل؛ وحتى رسالة إلى الأميركيين تقول أن الدور السعودي مسهل لدفع إيران إلى لحظة أكثر اعتدالاً وإلى موقع أكثر إيجابية سواء على المستوى الإقليمي والعالمي.
أما رسالة السيد خامنئي للرئيس بوتين فهي أيضاً تحمل رسالة تريد طهران أن تطيرها لروسيا وبنفس الوقت لأوروبا القلقة من القيصر الجديد المدعوم من ترامب؛ ومفادها أن التوازنات بين أوروبا وروسيا في القارة العجوز لديها صلات وعوامل تأثير في آسيا حيث يتوثب النمر الإيراني للعودة مؤثراً ومتأثراً في أزمات الساحة الدولية في حال نجاح المفاوضات النووية؛ وعليه يجب على روسيا وأيضاً على أوروبا أن يسلف كل منهما من جانبه إيران مواقف تساندها أو لا تكون ضدها خلال رحلة مفاوضاتها مع ترامب.
يبدو أن العالم ناقص إسرائيل يتحرك لاحتضان مفاوضات طهران واشنطن، ذلك أن الانطباع الدولي والإقليمي يرى أن هذه المفاوضات ستحدد ليس فقط إلى أين ستتجه العلاقة الأميركية الإيرانية، بل إلى أين سيتجه الشرق الأوسط؛ وأيضاً وتالياً إلى أي أفق اقتصادي وعسكري سيأخذ الشرق الأوسط مجمل العالم في حال انتهت المفاوضات إلى فشل يتبعه انزلاق إلى حرب إيرانية أميركية؛ أو انتهت إلى تسوية يتبعه انفراجات إقليمية وعالمية نوعية؟..